جاتوزو: حان دوري لكي أقوم بالتعليم

 

الرياضية أون لاين - موقع الفيفا

لطالما اشتهر جينارو جاتوزو بإقدامه وجسارته على أرض الملعب. وعندما تشتد الأمور في المستطيل الأخضر، غالباً ما تحوّل لاعب خط الوسط المقاتل هذا إلى ندّ جسور، وقلائل في العالم كانوا قادرين على مجاراة صلابته.

بفضل طاقته الكبيرة وقدراته الفذة ومهارته التكتيكية، تحوّل جاتوزّو إلى عنصر محوري، بل وحتى لا يمكن الإستغناء عنه، لدى سلسلة من المدربين في صفوف المنتخب الإيطالي ونادي إي سي ميلان. سمح ذلك له بخوض مسيرة كروية حافلة شهدت نيله لقب دوري أبطال أوروبا مرتين وارتداءه قميص المنتخب الوطني 73 مرة وغزوه العالم كروياً مع ناديه ومنتخب بلاده.

لكن هذا اللاعب المغوار السابق يواجه معركة كروية من نوع مختلف. فهو يحاول إثبات علوّ كعبه كحارس مرموق في مهمة تبدو الآن أنها أصعب مما كان يُسند إليه في خط الوسط. وبعد فترات تدريب قصيرة وغير ناجحة تماماً مع سيون وباليرمو وأو أف إي كريت، تساءل البعض عما إذا كان جاتوزّو سيعود لمهمة التدريب عقب استقالته من منصبه في اليونان في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كان يتوجب على أولئك المتسائلين تذكر أن هذا رجل لا يقبل الهزيمة بمثل هذه السهولة. وبعد فترة قصيرة، اقتنص، وبنفس الإقدام الذي طبع مسيرته كلاعب، مهمة تدريب في دوري الدرجة الثالثة الإيطالي مع نادي بيزا الصاعد محاولاً إثبات أنه مدرب بإمكانيات حقيقية وفي هذه المقابلة الحصرية، نناقشه حول طموحاته في مجال التدريب، وأسلوبه في اللعب، ولاعبي خط الوسط المميزين لديه، وكذلك ذكرياته من ألمانيا 2006.

كيف تستمتع بحياتك في بيزا؟

جينارو جاتوزو: أعتاد عليها بشكل جيد جداً. أعمل لصالح نادٍ شهير شهد فترات رائعة لسنوات كثيرة. المدينة جميلة، وتتنفس وتعشق كرة القدم.

لم يتعرض فريقك للهزيمة هذا الموسم ويحتل حالياً المركز الثالث في الدوري. هل أنت راض عن الشكل الذي يأخذه الفريق؟

لقد بدأنا متأخرين. نعمل سوية منذ حوالي شهرين، ولكنني آمل بأن نستمر بالشكل الذي بدأنا به. وصل عشرة لاعبين في الأيام الأخيرة من فترة الإنتقالات: بعضهم لم يكن لاعباً أساسياً، وغيرهم لم يتدربوا سوى فترة قصيرة قبل الموسم أو لم يتدربوا أبداً. ولكني مسرور جداً بما قمنا به.

نتذكر نادي بيزا، قبل أن يتعرّض للمشاكل المالية، وهو يخوض غمار دوري الدرجة الأولى الإيطالي خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. هل تعتقد أنه يمكن استعادة تلك المكانة؟

أعتقد أننا نملك كل ما نحتاجه للقيام بذلك. تم إنفاق الكثير من الأموال في السنوات الماضية، لكن تقديم أداء جيد في عالم كرة القدم لا يحتاج إلى مجرد المال، بل أيضاً امتلاك الخبرة المناسبة ـ أناس يمتلكون مهارة التعامل مع الأرقام وكيفية إنفاق الأموال بشكل حكيم وبالتحديد كيفية شراء أفضل اللاعبين. أعتقد أن ذلك ممكن بوجود فابريزيو لوتشيسي كرئيس للنادي. الهدف الأساسي هو تطوير الأداء والتقدم للأعلى [في هرم الدوري] قدر الإمكان. الأمر الأهم هو أنه يجب أن نصبح مجموعة، وبوسعي القول إننا على الطريق الصحيح. ولكن يتعيّن علينا الاستمرار بالعمل.

كيف وجدت تجربة متابعة مباراة من خارج الميدان الأخضر كمدرب، بدلاً من أن تكون في قلب أرضية الميدان كلاعب وسط؟

إنهما وظيفتان مختلفتان كلياً. ونظراً لكوني لاعباً جيداً، فإن ذلك عامل مساعد، إلا أن مهمة المدرب أكثر تعقيداً بكثير. فأنا لم أعد طالباً، وأصبح الدور عليّ لكي أعلّم كرة القدم.

كنت لاعباً مشهوراً بشغفه ومثابرته وعزمه الكبير. فهل تنطبق نفس هذه الصفات عليك كمدرب. كيف تصف أسلوبك في التعامل مع اللاعبين؟

أطلب الكثير من نفسي، أنا شخص من الصعب إرضاؤه، وإلى جانب ذلك، فإني شخص يتعامل مع الأمور باحترافية كبيرة ويتطلع للقيام بها بشكل صحيح. إني شخص مجنون، وهذا العيب، إن أردت اعتباره ذلك، استمرّ معي كمدرب. ولكني على مدى السنوات الماضية، غيّرت من مقاربتي مع اللاعبين. كنتُ قاسياً عليهم أيضاً، إلا أن أولويتي حالياً تتمثل بإعداد الفريق بأفضل طريقة ممكنة. حالما أنتهي من عملي، أترك المجال أمام اللاعبين لفضاءاتهم الخاصة، حيث إني لا أراقبهم طوال اليوم.

لعبتَ تحت إمرة مدربين عظماء. هل هناك مدرب محدد تشعر أنك تعلمت أكثر منه أكثر من غيره؟ ومن هو الأقرب إلى أسلوبك؟

بالنظر إلى شخصيتي، فإنه من الصعب نسخ أسلوب أحد ما أو تبني مقاربات معينة. لديّ طريقتي الخاصة في القيام بالأمور، ويجب أن أنقل ذلك إلى اللاعبين. وكلاعب كرة قدم، كنتُ محظوظاً للعب مع أندية كبيرة، وعندما بلغت ذلك، كنتُ قد تعرفتُ تماماً على طريقة التصرف والقيام بالأمور. وكمدرب، أعمل الآن مع الكثير من الشباب، بعضهم تخرّج لتوّه من صفوف فرق الشباب: مع هؤلاء ليس بوسعي التصرف بنفس الطريقة التي اتّبعها المدربون معي. يجب أن أجعلهم يدركون أهمية العمل والإحتراف الذي يتطلبه بلوغ القمة.

يبقى العديد من اللاعبين والمدربين في إيطاليا طوال مسيرتهم الكروية، ولكنك تنقلت في الخارج مرات عدة ـ بدءاً من بلوغك التاسعة عشرة عندما انضممت إلى رينجرز. هل تشعر أنك استفدت من خبرتك في اسكتلندا وسويسرا واليونان؟

كان لتلك التجارب تأثير كبير وإيجابي للغاية علي. كلّ من يشاهدني وأنا ألعب على أرض الملعب يلاحظ فوراً أن الطرق التي أتّبعها مختلفة قليلاً عن الطريقة الإيطالية ـ بل هي أقرب إلى الأسلوب الإنجليزي. فعلى سبيل المثال، أعمل بإيقاع سريع جداً وفي يوم المباراة، أفضّل التوجّه إليها فوراً بعد التدريب. السفر إلى الخارج أثرى خبرتي كلاعب، وكذلك كمدرب.

هل لك أن تخبرنا عن كأس العالم ألمانيا 2006 FIFA. ما الذي تذكره أكثر من غيره، وما سر النجاح الإيطالي؟ 

تحضرني الكثير من الذكريات. أعني أن ارتداء قميص المنتخب الوطني يمثّل دائماً بالنسبة لي أمراً استثنائياً. عندما كنتُ موجوداً وسط الميدان واستمعتُ للنشيد الوطني، اقشعرّ بدني وحضرت إلى ذهني فوراً ذكريات الطفولة. لكن ربما كان الإنطباع الأقوى من تلك النسخة من كأس العالم تتمثل بالوصول إلى معسكر التدريب في دويسبرج. خلال سنواتي الإثنتي عشر مع المنتخب الوطني، كانت تلك المرة الوحيدة التي لم يكن فندق معسكر التدريب من فئة خمس نجوم، وربما كان ذلك أحد العوامل الأكثر أهمية. إلا أن العنصر الأساسي في نجاحنا هو بالتأكيد مارتشيلو ليبي: كان بمثابة قائد بالنسبة لنا، واعتمدنا عليه، كان يتمتع بالكاريزما وجعلنا نشعر بقيمتنا وبأننا مصونون. المهندس الأساسي للنصر في كأس العالم كان هو بحد ذاته.

كجزء من فريق إي سي ميلان الذي فاز بدوري الأبطال مرتين، هل تعتبر أن إلى فريق الروسونيري والأندية الإيطالية الأخرى قادرة على الفوز بتلك الجائزة في المستقبل القريب؟

للفوز بكؤوس هامة مثل دوري الأبطال، يتوجب أن يكون في صفوف الفريق أبطال. ففي صفوف ميلان خلال تلك السنوات، كنا قادرين على أن يكون معنا لاعبون من أمثال [أليساندرو] كوستاكورتا و[ياب] ستام وريفالدو وروي كوستا و[فيليبو] إنزاجي داخل الميدان. كنّا كتيبة مكونة من 22 إلى 23 رياضيّ من أعلى المستويات. ولكي يعود ميلان ـ وكرة القدم الإيطالية عموماً ـ إلى التنافس مجدداً، يجب أن نعود للإستثمار مجدداً. يجب أن يتعافى الإقتصاد ويتم بناء ملاعب جديدة و(تواجد) شخصيات كبيرة على طراز [سيلفيو] بيرلسكوني أو [ماسيمو] أو [أندريا] أنيلّي لضخّ استثمارات كبيرة.

قال عنك زلاتان إبراهيموفيتش "يمنح كل شخص الحافز الذي يحتاجه. هو كالحيوان على أرض الملعب ـ ودونه لا نستطيع إنجاز الأمر." هل تعتقد أن ميلان ومنتخب إيطاليا قادران على تحقيق المهام مع مثل هذا الشخص حالياً؟

أعتقد أن بوسع دانييلي دي روسي الإضطلاع بمثل هذا الدور مع المنتخب. فهو لاعب كان في محور الإهتمام منذ سنوات، وبطل لطالما كرّس قلبه وروحه في مثل هذه الأمور ويستوجب الإحترام. وفي صفوف ميلان، يروق لي [نايجل] دي يونج: إنه قائد صامت، على عكسي، ولكنه يملك كل الصفات لكي يصبح لاعباً أساسياً.

يُنظر إليك باعتبارك أحد أعظم لاعبي خط الوسط المدافعين في حقبتك. من بين اللاعبين الحاليين الذين يضطلعون بنفس الدور، من يُثير إعجابك؟

يروق لي كثيراً راديا ناينجولان. ورغم أننا لسنا متشابهين، نظراً لكونه أفضل مني تقنياً، إلا أني أعتبر أنه اللاعب الأقوى في ذلك المركز. فهو خبير بالربط بين الجانبين الدفاعي والهجومي للعبة بطريقة متوازنة.

هل كان هناك لاعب خط وسط مركزي شعرت أنك تتفاهم معه جيداً وأتمّ كل منكما عمل الآن بطريقة خاصة؟

يمكنني ذكر أندريا بيرلو. لعبتُ معه عشر سنوات في صفوف ميلان، وكذلك مع المنتخب الوطني، من فئة الشباب وحتى الفريق الأول. ربما لعبنا سوية أكثر من 500 مباراة. وخلال سنواتنا الأخيرة سوية كان يكفي لأي منا أن ينظر إلى زميله حتى يعرف ما الذي يفكر به اللاعب الآخر. استهلّ الأمر كصانع ألعاب مهاجم، ثم كانت لـ[كارلو] مازوني ولاحقاً [كارلو] أنشيلوتي رؤية إسناد مركز [أكثر عمقاً] في خط الوسط. أعتقد أني كنت مهماً بالنسبة له، وكذلك الأمر، جعل هو مهمتي في خط الوسط بغاية السهولة.

لطالما كنتَ سعيداً بأن تفتح المجال أمام لاعبين من أمثال أندريا بيرلو وبول جاسكوين وكاكا وغيرهم؟ هل رغبتَ يوماً بأنك تلعب في المقدمة أكثر بحيث تصنع وتسجّل الأهداف؟

صراحة، لا. فمنذ سنّ صغير، أثار إعجابي نوع آخر من اللاعبين. وأول إعلان ألصقته في غرفة نومي كان لسالفاتوري باجني (لاعب وسط نابولي وإنتر ميلان السابق). أحببته لأنه يلعب دون أن يستخدم واقية الساق بينما يُنزل جواربه للأسفل، وقد كان مقاتلاً حقيقياً في خط الوسط. يجب أن تأخذوا بعين الإعتبار أنني سليل عائلة كان الوالد فيها من مشجعي إي سي ميلان وأحب [جياني] ريفيرا. أعتقد أنني خيّبت أمله لأنه حظي بابن مختلف تماماً عن ريفيرا! لكن على المستوى الشخصي، لطالما أحببتُ الأسلوب القتالي.