الاحتراف يجب أن يشمل الجماهير أيضاً!

خلدون الشيخ

(كاتب وصحفي رياضي)

  • 1 مقال

بينما كان يشتكي مدرب منتخب الامارات مهدي علي من غياب جماهير بلاده عن مباراة الامارات وأوزبكستان الودية، معتبراً ان هذا الغياب كان السبب الرئيسي وراء الخسارة الكبيرة 0-4 على ملعبه، فان الجماهير في الشق الآخر من العالم، وتحديداً في العاصمة البريطانية لندن كانت تشتكي من الأثمان الباهظة التي تدفعها لحضور مباريات فرقها. 
  عندما تتهافت الأندية الانكليزية العملاقة على البحث عن وسائل شتى لتوسيع سعة استيعاب استاداتها أو بناء أخرى جديدة، فانها تدرك ان هناك طلباً هائلاً على حضور مباريات فرقها يبرر لها الاستثمار بعشرات الملايين في خطوات تكون محسوبة بدقة، وحتى عندما نقرأ تقارير عن ارتفاع أسعار بطاقات مباريات الفرق الانكليزية بنسبة 15.8 ٪ عما كان في عام 2011، مقارنة بارتفاع 6.8 ٪ في مجمل أسعار المعيشة في بريطانيا خلال الفترة نفسها، فان ملاعب «ستاد الامارات» و»ستامفورد بريدج» و»وايت هارت لين» تظل ممتلئة على بكرة أبيها.
  وتصل قيمة أغلى تذكرة لمباراة واحدة هذا الموسم، والتابعة لآرسنال، 97 جنيها إسترلينياً. ورغم أن هذه القيمة تأتي أقل بـ29 جنيهاً عن قيمة أغلى تذكرة لمباراة واحدة قبل عام واحد، فما زالت قيمتها تزيد عشرة جنيهات عن قيمة ثاني أغلى تذكرة لمباراة هذا الموسم والتي تعود لتشلسي. كما أنها أغلى بكثير من متوسط سعر تذكرة المباراة بين كل الأندية الانكليزية والذي يصل إلى 56.85 جنيه. 
  الغريب، أن احدى الصحف البريطانية علقت على هذه الاسعار، بالقول أنه لو أراد مشجع لأرسنال، الذي يدفع 2013 جنيهاً لحضور مباريات أرسنال على أرضه طيلة الموسم (18 مباراة)، أن يشاهد مباريات ريال مدريد للمدة ذاتها فانه سيدفع 1523 جنيهاً فقط، وهذا يشمل التنقل بالطائرة من لندن الى مدريد والاقامة لليلة، طيلة الموسم، بالاضافة الى مشاهدة نجوم أبطال أوروبا، بينهم رونالدو وبيل.
  طبعاً، هذا التضخم قد يزعج بعض المشجعين، لكنه لا يمنعهم من حضور المباريات، مهما كانت الأسعار او أحوال الطقس، لكنه في المقابل يعكس حسن توظيف الآلتين التسويقية والترويجية لغالبية الأندية الاوروبية، والتي تنبع من التعامل مع اللعبة باحترافية عالية، قلما نجدها في عالمنا العربي. 
  الجمهور هو أساس نجاح كرة القدم، فلا اللعبة الجميلة ولا حرفنة لاعب ولا تألق فريق يمكن ان تكمل بريق المباريات من دون الجمهور، ولن تصبح بطولة محلية او اقليمية او قارية او عالمية ناجحة من دون اهتمام جماهيري كبير، والامثلة كثيرة، فلماذا بات الدوري الالماني يسرق الانظار من الايطالي والفرنسي، لان معدلات حضوره الافضل في اوروبا، ولماذا الدوري الانكليزي هو الافضل تشجيعاً، واشدد على الافضل من حيث النوعية وليس العدد، وحتى بدرجاته الاحترافية الاخرى فانه يجذب معدلات جماهير تفوق بكثير غالبية البطولات العليا في العالم، رغم ان هذه الجماهير دائماً ما تصطف تحت أمطار غزيرة وفي ظل أجواء برد وصقيع للحظي ببطاقات حضور هذه المباراة او تلك.
  كنت دائماً على خلاف مع قرارات الاتحاد الآسيوي في شأن ضرورة تطبيق الاحتراف في اندية القارة، وكنت دائماً أشدد ان قبل اجبار الاندية على تنفيذ قرارات تظل في نظري ثانوية، فانني كنت ارتأي ضرورة الاهتمام بأصول جذب الجماهير، فكي تجبر ناديا على ان يصبح شركة تجارية، فان على هذه الشركة ان تضمن وجود زبائن (جماهير) لمنتجها، اي كرة القدم، ومن هنا أمعن النظر في الجماهير الاماراتية، التي طبق عدد من انديتها قوانين الاحتراف الآسيوية، لكن لا أعتقد ان من الاحتراف ان يتم اغراء هذه الجماهير بحضور مباريات بتوفير حافلات لنقلها مجانا من منازلها الى النادي والعكس، مع توفير وجبات غذائية وايضاً توزيع هدايا تشجيعية، فقط لحثها على الحضور، ومن هنا أشعر بحرقة المدرب مهدي علي، الذي يدرك أن فريقه بات من المنتخبات الآسيوية الأكثر اثارة في القارة، بل حقق بطولات ما كان يحلم بها في السابق، وأحرز كأس الخليج خارج أرضه، فهو يملك الأساس كي يتمتع بجماهيرية وبحضور أكثر من مشجعي الضيوف خصوصاً عندما يكون هو المضيف.
  للعلم فقط، ليست كل الجماهير سواسية، وليس كل عاشق للعبة مشجع، وليس كل مشجع يصب في خانة الجماهير الوفية، فعشاق اللعبة الذي يشاهد المباراة من المنزل او «القهوة» ليس مشجعاً، والمشجع الذي يحضر المباراة ويصفق ويصيح، ليس مؤازراً حقيقياً وفعالا، فهذا المشجع الحقيقي للنادي او المنتخب هو من يقوم بخدمتهما في كل الاوقات، ويشتري من متجره ويرتدي فانلته ويؤازر الفريق في أرضه وخارجه… فكم عدد هؤلاء في كل ناد في الدوري الاماراتي؟ عندما ينعم المواطن براحة حياتية خالية من التعقيدات والمتاعب، فان فكرة حضور مباريات كرة القدم تصبح «للفقراء والكادحين»، الذي يخرجون مخزون غضبهم وعتبهم على أسى الحياة في تسعين دقيقة، فهل لهذا علاقة في رؤية مدرجات خالية الكثير من البطولات ذات مستوى حياة ومعيشة مرتفع؟