كتاب "الاستغناء" قصة كفاح مستمرة .. للتحرر من "العبودية" !!

من خلف الكواليس !!
عقبة تواجه جُل لاعبي غزة ..
كتاب "الاستغناء" قصة كفاح مستمرة .. للتحرر من "العبودية" !!
الرياضية أون لاين / كتب أسامة أبو عيطة:
"إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر .. ولا بد لليل أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر"، أبيات شعرية شهيرة جداً للراحل التونسي أبو القاسم الشابي، لطالما رددها وما زال جُل لاعبي المحافظات الجنوبية، المكبلين في أنديتهم بقيد متين، اسمه "كتاب الاستغناءالعظيم".
معاناة كبيرة، تشبه الحصول بحكم السجن الإداري المتكرر، المتجدد وغير المنتهي، فلا يستطيع اللاعب "الأسير" أن يفرج عنه إلا بعد قرار "محكمة" عليا، من مجلس إدارة النادي، الذي لن يمنحه إياه في أغلب الأحيان، إلا بأغلى الأثمان.
فرمان السلطان !!
ما قصة هذا "الفرمان" العجيب، وما مصدره الرهيب، وكيف وُجد أصلاً، بلا رقيب أو حسيب !!
فبمجرد تقييد النادي لأحد اللاعبين الناشئين، أو من هم أكبر منهم سناً في سجلات اتحاد كرة القدم، حتى تصبح هذه "السلعة" حكراً أبدياً ومقدساً لصاحبها، ولا يمكن حتى لحلف "الناتو" أن يغير من هذه المعادلة، وكأنه قرار أبدي، صدر من مجلس الأمم المتحدة، غير العادل أصلاً !!
تمر السنين وتتوالى، وتكبر "البضاعة"، وتسمن "الماشية" مع مرور الوقت، ويصبح لها سعر ثمين.
وهنا تشتد المنافسة في سوق "النخاسة" بين "القبائل" المتصارعة، والتي يسعى كل طرف منها إلى جمع أكبر عدد من "العبيد" !!
يكبر اللاعب ويصبح شاباً فتياً، يرغب بأن يصول في الأرض ويجول، ولكنه "مربوط" حرفياً بحبل متين، يحدد تحركاته حسب إرادة "السلطان" !!
فيمنع على هذا اللاعب الحالم الانتقال إلى نادٍ آخر، والذي يحاول تحسين وضعه؛ إلا بعد أن يتمكن من "تحرير" نفسه، ويشتري ورقة "عبوديته"، والتي تسمى هنا .. "كتاب الاستغناء".
الهروب من عصور الجاهلية !!
وتماماً مثلما كان يحصل مع "العبيد" سابقاً في الأزمان الغابرة والبائدة، يتكرر الأمر في زمننا الديمقراطي، التكنولوجي، النووي، الفضائي الرهيب، فيباع ويشترى هذا اللاعب عنوةً، وفي مرات حتى دون علمه أو رغبة منه، أو تتم عملية استبداله رغماً عنه، دون أن يملك الحق الأدنى من الاعتراض، اللهم لا حول له ولاقوة إلا خيار الجلوس في المنزل، وهو الأمر الذي سيكون وأداً ودفناً بالحياة، كما في الجاهلية الأولى !!
طوق نجاة كنفق جلبوع !!
قلة قليلة جداً من اللاعبين نجحت في المحافظات الجنوبية بكسر القيد، ونيل الحرية، سواء بعد تفاهمات معقدة جداً، أو بعد دفع مبالغ مالية، تتجاوز المعقول، وكثيراً ما تصل حد التعجيز.
بعض قصص نجاح معاصرة وآنية لبعض اللاعبين، ستكون موضوع حلقاتنا القادمة، في سلسلتنا المستمرة معكم، "من خلف الكواليس"، والتي ستحمل في طياتها الكثير من المعاناة والعذابات، وسنين طوال من النضال، والذي توج في النهاية بكسر القيد، الذي ظن الكثيرون أنه في وقت ما قد لا يكسر.
اختياران .. أحلاهما مر !!
عانى محمد عبيد ( ٢٩ عاماً)، اللاعب في فريق هلال غزة لكرة القدم، وأحد أبرز نجوم الدوري المحلي في المحافظات الجنوبية، من عدم قدرته على الالتحاق بأي فريق آخر، لأنه لا يملك "ورقة الاستغناء" الخاصة به، والتي تحرمه الانتقال إلى نادٍ آخر، الأمر الذي يعانيه الكثير من اللاعبين، الذين تم تقييدهم في سجلات الأندية، خاصةً منذ الصغر، وبذلك يصبح الجميع لا يمتلكون ولو جزءاً من حريتهم، وهم مقيدون بالكامل طالما أنهم لا يملكون "وثيقة الاستغناء" من أنديتهم، ولا يستطيعون الانتقال للعب في أندية أخرى، التي قد تقدم لهه عروض مالية مغرية، يستطيعون من خلالها المساعدة في بناء ولو جزء يسير من مستقبلهم.
ويقول عبيد :"خلال السنوات الخمس الماضية، جاءتني عروض كثيرة، من أندية أخرى في المحافظات الجنوبية، والشمالية، بل ومن مصر أيضاً، ولكنني لم أتمكن من الالتحاق بأي منها للأسف، وهو واقع العديد من اللاعبين هنا، الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن تضطر للعب بثمن بخس لحساب ناديك الحالي، أو الجلوس في بيتك، لتفقد العديد من الفرص المتاحة أمامك، وأبرزها طبعاً الانضمام للمنتخب الوطني، الحلم الذي يسعى إليه كل لاعب فلسطيني ".
ملف خطير ..
"لقد فتحت ملفاً خطيراً يمثل "خطاً أحمراً"، بالنسبة للأندية المحلية، وسيفتح النار عليها، وعلى الاتحادات الرياضية وغيرها من الجهات، في ظل نقص اللوائح الناظمة لواقع الرياضة المحلية في قطاع غزة وغموضها الشديد، واعتبار مختلف البطولات في قطاع غزة للهواة لا أكثر، بعكس المحافظات الشمالية، التي تم تصنيفها للمحترفين.. ".
بهذه الكلمات المقتضبة، عبر الحكم الفلسطيني الدولي في لعبة الكرة الطائرة، "إسماعيل النجار" عن وجهة نظره في موضوع معاناة اللاعبين في الانتقال لأندية أخرى غير أنديتهم المحلية، مضيفاً :"فمعاناة لاعبي الرياضات الجماعية والفردية، في مختلف الأندية بقطاع غزة، من أجل الانتقال لأندية أخرى، داخل فلسطين وخارجها، مشكلة عويصة "قديمة-متجددة"، تسببها القيود التي يفرضها القانون المحلي من خلال ضرورة الحصول على كتاب "الاستغناء" من أنديتهم، قبل الانتقال للعب في أندية جديدة، مما يقتل أحلام الكثير منهم بمستقبل رياضي أفضل، يسمح لهم بتطوير قدراتهم ومهاراتهم، ليبقوا رهينة الواقع الصعب الذي تعيشه الرياضة على الصعيد المحلي في قطاع غزة.
هروب مبرر !!
وقد رفضت عدة أطراف معنية الحديث بهذا الخصوص، بمن فيهم الكثير من اللاعبين، رغم كونهم الطرف الأكثر تضرراً في ظل واقعهم الصعب، إذ أن العديد منهم اضطروا لدفع أثمانٍ باهظة، كالتوقيع على وثائق يتنازلون فيها عن مستحقات مالية بمبالغ كبيرة بالنسبة لهم، كي ينالوا ما يعتبرونه "صكوك حريتهم"، في ظل حرمان العديد منهم من تحقيق أحلامهم بارتداء قمصان أندية أخرى، تنقلهم إلى دوري المحترفين، في ظروف أفضل بكثير على مختلف الصعد.
قيود تقتل الإنجازات ..
وفي مقابلة مع "أيام الملاعب" قال "أحمد صلاح"، لاعب من محافظة "رفح"، الذي حقق العديد من الإنجازات الرياضية الاستثنائية على الصعيد المحلي في قطاع غزة، ليصبح اليوم واحداً من ألمع نجوم الرياضة على مستوى قطاع غزة، رغم أن عمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين ربيعاً، وهو لا يزال طالباً في كلية التربية الرياضية، حيث في عام (٢٠١٩) وحده، استطاع تحقيق ثلاثة إنجازات رياضية، في ثلاثة رياضات مختلفة، مع ثلاثة أندية !
استحق اقتحام موسوعة "غينيس"
فقد توج "صلاح" مع زملائه من اللاعبين بنادي "خدمات جباليا"، بدوري الكرة الطائرة الممتاز، كما حصل مع زملائه في نادي "خدمات رفح" على كأس كرة السلة، أما مع نادي "خدمات النصيرات"، فقد حصل على "كأس السوبر" لكرة اليد !
وهذا بالإضافة إلى انضمامه لمنتخب الطائرة الأولمبي في ذات العام، حيث شارك بتصفيات كأس آسيا في البحرين، كما شارك عام (٢٠١٧) مع منتخب كرة اليد للناشئين، بتصفيات كأس آسيا في الأردن.
ليس هذا فحسب، إذ أن اللاعب "صلاح" حقق أيضاً العديد من الإنجازات الأخرى، أبرزها نيل بطولة الناشئين مع فريق كرة السلة التابع لنادي "خدمات رفح" عام (٢٠١٧)، ودوري كرة الطائرة الممتاز مع نادي "خدمات جباليا" عام (٢٠١٨)، والوصول إلى "المربع الذهبي" في ذات اللعبة عام (٢٠١٩).
ورغم كل هذه الإنجازات المبهرة التي حققها اللاعب صلاح، إلا أن حلمه الكبير بالاحتراف في المحافظات الشمالية، أو حتى الانتقال لأحد الفرق المحلية في قطاع غزة، تم تقييده بأغلال حتى العنق، حيث فرض عليه ناديه "خدمات رفح" الذي يلعب كرة السلة فيه، التوقيع على "كمبيالات"، بإلزامه بدفع ستة آلاف "دولار"، في حال رغبته بالانتقال إلى أحد أندية المحافظات الشمالية، ودفع مبلغ (٢٥) ألف "دولار"، في حال الانتقال لأحد الأندية المحلية في غزة، رغم ضآلة المبالغ التي يتقاضاها كلاعب في النادي، مما يجعل الانتقال لأي نادٍ آخر في ذلك الوقت حلماً صعب المنال، رغم كل الإنجازات الكبيرة التي حققها حسب تصريحاتخ.
اللاعب ليس ضحية ؟ !
على طرف النقيض، يصر نائب رئيس اتحاد كرة القدم في المحافظات الجنوبية، "إبراهيم أبو سليم"، من جهته، على أن "اللاعبين ليسوا ضحايا"، وأن الأندية قد بذلت الكثير من الجهود لتطوير اللاعبين والنهوض بأدائهم، ووفرت لهم الكثير من الإمكانيات المتاحة، كي يصلوا إلى المستوى الذي وصلوا إليه، ومن حقها "الاستفادة منهم"، خاصةً بعد الظهور المميز لبعضهم على مختلف الصعد الرياضية، على حد تعبيره.
وأكمل قائلا :"عندما تصل الأمور لطريق مسدود بين اللاعب والنادي في حالة مغالة أحد الأطراف، ويتم التوجه للاتحاد، بالتأكيد سيكون هناك دور فعال لنا، بالتدخل من أجل التوصل لحل يرضي الأطراف، لأن من مصلحة الاتحاد وواجبه أن يعمل على إنهاء الخلافات القائمة على قدر المستطاع، ونحن معنيين بأن تستمر مسيرة اللعبة بالشكل الذي يليق بالكرة الفلسطينية، التي نحاول بكل جهدنا أن نخرجها بصورة جيدة.
رابطة اللاعبين ..
وأضاف أبو سليم :"كما لا يضر الاتحاد تشكيل رابطة للاعبين، تحافظ على حقوقهم، ويكون تعاون مشترك كبير بينها وبين الاتحاد، الذي من مصلحته العليا نجاح البطولات الكروية في المحافظات الجنوبية ".
قرارات عاجلة مطلوبة ..
من جهته، طالب المدرب والقائد السابق لمنتخب فلسطين، "صائب جندية" بتطبيق "قوانين الاحتراف" في الرياضة بالمحافظات الجنوبية، أسوة بالمحافظات الشمالية، ليوضح وجهة نظره أكثر بالقول :"إننا نعيش هنا حالة احتراف مبطن في قطاع غزة، خاصة في دوري الدرجة الممتازة لكرة القدم، وكل الظروف هنا ضد اللاعبين، والوضع صعب جداً عليهم، مع علمنا بصعوبة وضع الأندية، ولكن كل ذلك ليس مبرراً لأن يكون اللاعب أسيراً عند الأندية".
وتابع بالقول :"لا بد أن يكون هناك دراسة شاملة، تعمل على حفظ حقوق الأندية واللاعبين على السواء، فالأندية تواجه صعوبات بالغة من قلة الدعم المادي، لذلك تتمسك بلاعبيها المميزين، وتحرمهم من الاستغناء، وهذا الأمر يرتد بالسلب على اللاعبين، سواء من الناحية النفسية، أو حتى الفنية، وهذا الأمر بمجمله يضر بالمصلحة الكروية العليا، حيث ينعكس ذلك على المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات".
مناشدة للفريق جبريل الرجوب ..
وأشار جندية إلى أنه يجب أن تكون هناك مساحة من الحرية للاعب، في عملية الاختيار، حتى يبدع ويخرج كل ما في جعبته من إمكانيات، حيث قال :"يجب أن يكون هناك ورشة عمل، ودراسة شاملة من مختلف الجوانب، تشارك بها اللجنة الأولمبية، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة، واتحاد كرة القدم، وعدد كبير من المختصين، وأملي بسيادة الفريق الرجوب كما عودنا دائماً أن يقف بجانب أبنائه اللاعبين، وهو الذي على الدوام يوجه تعليماته للاتحادات والأندية بأن يقفوا مع اللاعب، الذي يعتبر في النهاية هو الأساس الذي نعمل على تطويره، من أجل رفعة جميع منتخباتنا، بمختلف فئاتها السنية، وهو يحرص بشكل دائم على الدفع بهذه الاتجاه".
الخبير البلعاوي: الحلول موجودة !
بدروه، أكد المدرب واللاعب المحترف في صفوف الوحدات، والفيصلي الأردنيين سابقاً "غسان البلعاوي" أنه من حق النادي أن يستفيد، ولكن بطريقة منظمة، وفق قانون واضح البنود ينصف الطرفين، مقترحاً جزءاً من الحل، قائلاً :"عندما ينضم اللاعب الناشئ بعمر (١١_١٢) عاماً، لا ضير أن يبقى على ملاك النادي لخمس سنوات مثلا؛ وبعدها يحرر تلقائياً، ويكون له الخيار إما بالتجديد أو الرحيل، وعندما يبلغ اللاعب (٢٦) عاماً، يفترض أن لا يتعدى عقده موسمين، وإذا وصل اللاعب سن الثلاثين، فيكفي أن يكون عقده لموسم واحد فقط، وهكذا".
وأضاف :"كما يجب أن يكون هناك نظام ينصف الطرفين، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة شاملة من مختصين، من مختلف الجهات ذات العلاقة، يصيغون الأمر بطريقة تكفل حقوق جميع الأطراف، بشكل عادل ".
فرار من الجحيم !!
وحاول بعض اللاعبين الفرار من الواقع البائس الذي يعيشونه هنا، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر نذكر بعض الأمثلة منها محاولة لاعب كرة القدم صائب أبو حشيش الذي يلعب لصالح نادي الصداقة لإيجاد فرصة له في تركيا، ولكن الأمور كانت أصعب مما يتخيل، فعاد إلى غزة مجدداً بخفي حنين !!
وحالة أخرى من المعاناة عاشاها وما زال لاعب منتخب الكرة الطائرة خليل الحلو، الذي هاجر إلى اليونان، واصطدم بواقع أليم هناك، ويتواجد حالياً في ألمانيا، يبحث عن لقمة العيش، وأوراق الإقامة، التي احتار بوصف صعوبة الحصول عليها كورقة الاستغناء !
نجاح بعد معاناة ..
حالة ناجحة بعد معاناة لا توصف للاعب الكرة الطائرة علي مقاط، الذي لعب لنادي الصداقة، ويأس من عدم تجربته إحساس الحرية، فهاجر هو الآخر بعد رحلة معاناة طويلة، تخللها الإيقاف بأحد المراكز في اليونان لمدة زادت عن العام ونصف، ولكنه نجح أخيراً بنيل حريته المنشودة، وبعد طول مثابرة لا يوصف، وعزيمة وثقة لا تلين، بدأ بتحقيق حلم الاحتراف المنشود، وتدرج في عدة أندية، حتى أثبت جدارته، حيث يلعب الآن لصالح نادي "بوورس" البلجيكي في الدرجة الممتازة، والذي ينافس للوصول للمشاركة في بطولة أبطال أوروبا للعبة.