كونتي.. مورينيو المطوَّر ؟!

سمير كنعان

(صحفي رياضي فلسطيني)

  • 1 مقال

الرياضية اون لاين / كتب-سمير كنعان

ذُهِل العالم بأسره من المستويات الرائعة التي قدمها مدرب كرة القدم الإيطالي"أنطونيو كونتي" بالسنوات الأخيرة، خاصة مع المنتخب الإيطالي في يورو2016، وكيفية تعامله مع المباريات وقراءة الخصوم، وتحفيزه للّاعبين وشحنهم معنوياً وبدنياً واستنفاذ كل قطرة عرق فيهم، وقبل ذلك كان له اليد العليا في صحوة "يوفنتوس" الذي يدين لنجم هجومه السابق "كونتي" حين أعاد الفريق بين كوكبة الكبار بعد فترة عصيبة للنسيان هبط خلالها النادي بعقوبة للدرجة الثانية، وكانت ألقاب اليوفي المحلية وبأرقام قياسية خير دليل على أحقية هذا الرجل بمنصب أعلى وهو قيادة المنتخب في اليورو.

والحق يُقال أنّ لا أحد من إيطاليا أو خارجها توقع من الآتزوري شيئاً إيجابياً في أوروبا، لا سيما وأنّ تغيير المدربين وافتقار المنتخب لعناصر الخبرة وللمواهب اللامعة وغياب البارزين للإصابة مثل فيراتي وماركيزيو، ما جعل البعض يتنبّأ بسقوطٍ تاريخي للطليان، خاصة أمام منتخباتٍ تتفوق حالياً على إيطاليا بمراحل من حيث المواهب والفوارق الفنية والاستقرار الإداري.

ولكن كيف يسقط من يملك بوفون وجدار الصد أمامه الثلاثي "بي بي سي" بونوتشي بارزالي كيليني؟
وكيف يسقط من امتلك محاربين في خط الوسط والهجوم استعدوا للموت من أجل قميص إيطاليا؟
يتقدمهم دي روسي وجياكيريني وبيلي وإيدر وكاندريفا!

فوجدنا إيطاليا بهؤلاء "النيازك" التهموا نجوماً أكبر إشعاعاً مثل بلجيكا وأسبانيا وحتى الألمان أقوى منتخبات الأرض حالياً، بفضل ما يدرِّسُه الطليان للعالم منذ الأزل: "الغرينتا" القتالية العالية والتكتيك والخبث الكروي.

الكل أرجع الفضل للمدرب الذي وظّف لاعبيه، عفواً "مقاتليه" في أماكنهم الصحيحة، وعرف كيف يستخرج منهم أكثر مما يملكون، حتى خرجت إيطاليا بركلات الحظ من ألمانيا المرعبة.

ثم كانت الصفقة المدوية!
تشيلسي خطب ودّ "كونتي" ولم يرفضْ الأخير، حباً منه في خوْضِ مغامرة أو ملحمة كروية إن جاز التعبير، وانتقل كونتي إلى أقوى دوريات العالم ليواجه عمالقة الأندية والمدربين على حدّ سواء: مورينيو مع شياطين مانشيستر يونايتد، غوارديولا مع نجوم المان سيتي، رانيري مع ليستر "الصغير العملاق"، فينغر مع مدفعجية لندن آرسنال، كلوب مع المارد النائم طويلا ليفربول، بوكيتينيو مع الأبيض العريق توتنهام، إضافة إلى أمواج إيفرتون الهادرة وقطط سندرلاند ومحاربي ساوثهامبتون ومطارق وست هام وبقية الأندية العنيدة.

وبالأمس القريب كان لقاء قمة الدوري الإنجليزي الممتاز "ديربي لندن" بين تشيلسي وتوتنهام الضيف الثقيل على ملعب ستامفورد بريدج، لكنه يعاني من عُقدة استمرتْ 26 عاماً بعدم الفوز هناك منذ موسم1990، ما جعل اسمه "ديربي العقدة"، وآن الأوان لتحطيمها مع نجوم لامعة مثل كين وآلي وديمبلي وإيريكسون بقيادة مدربهم المحنّك بوكيتينيو، وبالفعل دخل توتنهام بقوة مهاجماً حصن ستامفورد بريدج، يريد الانتقام لربع قرنٍ من الحرمان، وكان له التقدم بهدف إيريكسون ابن أكاديمية آياكس معلناً ثورةً في الملعب، ورافعاً راية "لن نُهزمَ اليوم"، وتوقع الجميع نظراً لسيناريو اللقاء سقوطاً مدوياً لكتيبة البلوز بين جمهورهم، ولكن هيهات..!!
(تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُّفنُ)، وقد جرتْ رياح لندن بما لا تشتهي سفنُ بوكيتينيو وكل أسطوله، وتفوّق كونتي بفكره ومرونته التكتيكية بتشكيل الفريق بين 3-4-3، و4-2-3-1، و4-3-3، و5-4-1 الدفاعية و3-5-2 الشهيرة التي طبقها مع اليوفي والآزوري!!

أصبح تشيلسي كالصلصال يشكله كونتي كيف يشاءُ حسب رؤيته للقاء وظروفه وتغير معطياته، ولا يمكن نسيان انفجار "هازارد" نجم الفريق الأول الذي لولاه لما كان تشيلسي بالصدارة، ويُحسب لكونتي كل ما فجره من طاقات لاعبيه أمثال بيدرو الذي راهن البعض بموته، ومنهم كاتب هذه السطور، لكنّه ساهم ب8 أهدافٍ مسجلاً نصفها وصانعاً النصف الثاني في آخر 4 لقاءات للفريق، كما تحسّنت عقلية كوستا الهجومية مع كونتي الذي روّضه ليقاتل بإنسانية وليس بوحشية!!
وإن كان فضلٌ يُذكر فهو لخط الوسط والدفاع بوجود الفرنسي الوحش "كانتي" وماتيتش والنيجيري موزيس الذي راهن عليه المدرب وكسب، وخط الدفاع بتحسن مستوى البرازيلي لويز وكاهيل والأسبانيان على الطرفيْن الأيمن والأيسر آزبلكويتا وآلونسو، خلفهم لحماية العرين البلجيكي كورتوا أخطبوط الشباك!!
ثم جاءت أم المعارك الإنجليزية لهذا الموسم، أمام أقوى مضيف هو السيتي في ملعب الاتحاد، وكانت مباراة مفترق طرق لكونتي وكتيبته الزرقاء، إما الفرار بالصدارة مستغلاً سقوط المطاردين أبرزهم ليفربول، وإما احتدام الصراع بين خماسي المقدمة بشكلٍ ليس له مثيل (تشيلسي ليفربول السيتي آرسنال توتنهام).

وتقدّم السيتي المستحوذ على اللعب بهدفٍ عكسي من مدافع تشيلسي كاهيل في مرمى حارسه الأمين كورتوا، لينفجر ملعب الاتحاد ويزيد السيتي من ضغطه للتسجيل ثانية وقتل اللقاء، وأهدر لاعبوه فرصاً أثمن من الذهب، وأهدافاً كثيرة لو سُجِّلَ نصفها لخرج السيتي باكتساح مبهر، إلا أنّ القاعدة الذهبية في عالم المستديرة: "مَن يضيع الأهداف عليه أن يستقبلها"، وتحقق ذلك بلقطة مميزة من كوستا الذي سجل هدف التعادل، ليثور تشيلسي ويقلب المباراة عن طريق البديل الناجح "ويليان" بهدفٍ ثانٍ أربك حسابات الفيلسوف جوارديولا، الذي حاول هو ولاعبوه العودة بهدف التعديل للخروج بنقطة على الأقل من فم هذا الأسد الضيف الثقيل، لكنّ الأسد الجائع لا يفرط بشيءٍ من فريسته، وكان الهدف الثالث من هازارد قاتلاً بمعنى الكلمة، مهدياً فريقه أثمن نقاط الموسم لأصعب المواجهات، وصدارة منفردة مستحقة حتى الآن، بل وصبّ الترشيحات كلها لمصلحته بطلاً للموسم.

كل هذا سبق وفعله الداهية مورينيو، الذي تشابه كونتي معه كثيراً، بنفس أسلوب الثوران في الملعب والهدوء والابتسامة الواثقة والتحفيز وحسن إدارة المباريات والاحتفال الصارخ، كل شيء تقريباً متشابه بينهما إلا المكابرة والعناد على الخطأ الذي لا يقتنع به البرتغالي، في حين لا يمانع "كونتي" عن التراجع عن قرارٍ اتخذه فوجده خاطئاً، ليتعلم من أخطائه جيداً، فمثلاً وجدناه تراجع عن تهميش ويليان وفابريغاس فأشركهما أمام أقوى منافسيه، كما وجدناه تراجع عن خطة3-5-2 التي جاءهم بها من إيطاليا فخذلته، حين أحسَّ بها ثغرةً أضاعت عليه بعض النقاط، وأسقطته أمام الآرسنال وليفربول، وأخذ يصلحُ بعقلية ومهارة و"عدم استعجال" ما أفسده بنفسه وأفسده من سبقوه، خاصة علاقته  الممتازة مع لاعبيه داخل وخارج الملعب، واحترام المنافس والإعلام، الأمر الذي لا يهتمّ له "مورينيو" كثيراً.

وبما أنَّ كونتي أخذ كل حسنات البرتغالي وترك سيئاته، بل وحسّنها، فقد استحقّ لقب "مورينيو المطوّر"، وإن كان مورينيو داهية وسبيشل وان، فإنّ كونتي هو الأفضل"The best one"،، حتى الآن!!