ما بين التطبيع "الحلال" و "الحرام" .. "شيزوفرينيا" سعودية "مُعدية" !

محمد النخالة

(صحفي رياضي فلسطيني)

  • 1 مقال

 

بقلم / محمد رمضان النخالة

 

لاأعلم كيف تُدار السياسة الخارجية للسعودية إزاء القضية الفلسطينية، ولست بصدد التدخل بها، ولكن لدي كلام كثير، وفي فمي ماء طعمه مر كالعلقم تجرعته طواعية،  حباً في بلد وُلدت وعشت به شخصياً، وأنظر إليه على أنه قبلة المسلمين .

قبل أيام قرأ الفلسطينيون جميعاً خبراً صاعقاً مفاده "موفد صحيفة معآريف إلى الرياض جدعون كاتس يجري لقاءاً مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير" !

اللقاء في الرياض وليس في جنيف أو نيويورك، و الصحفي اسرائيلي صهيوني وليس امريكي أو بريطاني، ولكن ما هو أكثر غرابة وعجباً مما سبق ما أدلى به الجبير نفسه لضيف الديار الحجازية العزيز !

 

واجهة السياسة السعودية الخارجية قال حرفياً : "سوريا واليمن أكثر إلحاحاً من القضية الفلسطينية، ونجدد دعوتنا لإسرائيل لتبني مبادرة السلام السعودية" .

 

ولست بصدد استعراض وثائق بالعشرات كشفتها ويكيليكس توثق العلاقات الثنائية بين الرياض وتل أبيب، فمعلوم أن كل الدول العربية لديها علاقات كهذه، ولن أتحدث عن السيارات الفخمة بلوحات تسجيل سعودية التي تُلتقط لها صور بين الفينة والأخرى في شوارع دايسنغوف و روتشيلد فالموضوع المثار الآن رياضي وليس سياسي أو عروبي !

 

القضية باختصار أن فلسطين هذه الدولة العربية المحتلة، نجحت أخيراً بعد صراع طويل مع الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا في الحصول على حقها المشروع في خوض مباريات دولية رسمية على أرضها وبين جمهورها، بعد أن عاشت تجربة الشتات الرياضي لعقود من الزمان .

 

الإمارات زارت فلسطين ولعبت مع منتخبها، ولا أذكر أن الإمارات كانت يوماً أقل عروبة من السعودية، لكن الأخيرة ترفض دعم هذا الحق الفلسطيني والامتثال لقانون اللعبة بحجة "التطبيع" !

 

وهنا أستميح القارئ عذراً ليعود من جديد من حيث بدأت المقال و أتسائل مستعجباً كيف يكون دعم بلد عربي مسلم محتل تطبيعاً لمجرد قيامك بواجب الزيارة له، من خلال المرور عبر من يغتصب حقه ويستقوي عليه، في الوقت الذي تلتقي بهذا المحتل تحت مسميات مختلفة في كل مكان سياسياً واقتصادياً وغير ذلك ؟!

 

و رغم أن وجود الإحتلال مفروض على أصحاب الأرض بالقوة، ورغم أن مجرد المرور عبره و حتى ختم الجواز بختمه يعتبر أمر واقع، ولا نجد فيه كفلسطينيين تطبيعاً، إلا أن السعوديين يناقضون أنفسهم ويكيلون بمكيالين أو ربما "على رأسهم بطحة" بخصوص هذه المواجهة من الناحية الكروية الرياضية اي بعيداً عن السياسة والعنترية العروبية !

 

السعودية صعدت الى أعلى الشجرة ولن تتمكن من النزول بعدما قالت أنها لن تلعب تحت أي ظرف حتى لو كلفها الأمر الانسحاب من المباراة وخسارة نقاطها، وتثبيت الفيفا للحق الفلسطيني المشروع بمثابة السطر قبل الأخير في خاتمة هذه القصة التي نسجها السعوديون من بدايتها، ولن يكتب نهايتها أحد سواهم !

 

السعوديون اختاروا ارتداء معطف الأعذار الواهية ويخجلون من خلعه، رغم أن اللواء جبريل الرجوب رئيس الإتحاد الفلسطيني لـ اللعبة قام بتفنيد حجج نظراءه في الإتحاد السعودي وقدم أكثر من مبادرة وفكرة للحل .

 

الحل الأول يتمثل في نقل السعوديين بمروحيات عسكرية أردنية جواً من عمان الى  رام الله مباشرة بدون مرور عبر اسرائيليين وعودتهم بنفس الطريقة .

 

وحتى لو تحرك السعوديون بالحافلة من عمان إلى رام الله مسافة 80 كيلومترا، فإنهم سيقفون على الجسر أمام نقطة تفتيش شكلية، ولن يوجد هناك أي احتكاك أو علاقة بالإسرائيليين أو أختام !

 

وتم طرح أيضاً أن تُلعب المباراة في غزة كونها تمتلك حدود مع دولة عربية هي مصر، ورغم أن الأخيرة تفتتقر الى البنية التحتية الأساسية بسبب سياسة الدمار والحصار الإسرائيلي، إلا أن المباراة يمكن أن تؤجل حتى الشهر القادم موعد افتتاح ملعب فلسطين الدولي بحلته الجديدة بعد أن كان قد دمره الاحتلال واعيد اعماره وتعشيبه بدعم من دولة قطر الشقيقة والفيفا .

 

وبينما هناك اصوات تسخر من خيار اللعب في غزة، إلا أنها في أسوأ أحوالها لن تكون أسوأ من ملاعب بيتية لدول آسيوية فقيرة كبوتان و تيمور الشرقية و غوام مثلاً لا حصراً !

 

السعودية تتلكأ وتتباطأ وهناك مثل شعبي يقول "اللي ما لوش غرض يعجن يقعد ستّ ايام ينخل" وبات هناك شعور لدى جميع أفرد الأسرة الرياضية الفلسطينية ويشاطرهم في ذلك الرجوب نفسه، أن السعوديون ببساطة خائفون من مواجهة فلسطين في ملعبها، ورغم تواضع منتخب فلسطين فنياً ومادياً مقارنة بالعملاق الأخضر، إلا أن تجربة تعادل الامارات تظل حاضرة لديه وتمثل هاجساً يؤرقه، فالأبيض بنجومه تعادل والأخضر قد يتعادل مثله وربما يخسر !

 

السعودية الآن تريد التأجيل والمماطلة لممارسة ضغط أكبر على شخص الرجوب، وافساح المجال للنفوذ السياسي بالتدخل حيث يُمني الاتحاد السعودي النفس في أن تقول المملكة كلمة فصل لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في هذا الموضوع، تكون بمثابة قرار نافذ على الفلسطينيين ورئيس اتحاد لعبتهم التي يعشقون .

 

ولكنهم نسوا أو تناسوا أن السيد الرجوب هو رجل عسكري وسياسي من الطراز الرفيع، ويمتلك قراره في مجاله من رأسه فقط، والأسرة الرياضية الفلسطينية والشارع الفلسطيني برمته، لن يقبلوا بتكرار ما حدث في كونغرس الفيفا عندما لعبت السياسة الدولية والعربية والفلسطينية دوراً قهرياً في خفض السقف الفلسطيني الرياضي، لأنه حينها لن يكون هناك داعي لوجود الرجوب ولا داعي من الرياضة الفلسطينيية كلها، و سيثبت حينها أن العرب يُعادون سياسياً ورياضياً الفلسطينيين جنباً الى مع الاحتلال !!

إن الاستجابة للشيزوفرينيا التي تعاني منها السعودية ما بين السياسة والرياضة يمكنها أن تدمر كرة القدم الفلسطينية بشكل رسمي، ففي حال تدخل سياسي من شخص الرئيس أبو مازن لفرض لعب المباراة في الخارج، حينها لا يوجد أي مانع لدى الفيفا في أن تفعل في اتحاد فلسطين ما فعلته باتحاد الكويت وتجمده، بسبب تدخل السياسة بالرياضة، وحينها سيخسر الفلسطينيون كل شيء وأوله احترام أنفسهم، ولا نريد أن ينقلب السحر على الساحر ويسخر منا العالم وتضحك علينا الفيفا ويقولوا لنا "انتو عملتو من الحبة قبة عالفاضي" !

في واقع الحال الوضع مأساوي وليست السعودية وحدها من صعدت الى أعلى الشجرة فنحن فعلنا ذلك أيضاً، وهذا الحال المؤسف الذي وضعنا به أشقاؤنا السعوديون ووضعوا أنفسهم فيه من قبل، سيجعلنا شركاء في الخسارة في حال فعلنا شيء على عكس ارادتنا، وعندما تخسر فلسطين يخسر الجميع، فلماذا لا نكسب سوية بدون مكابرة ؟!

لا أحد ينكر "الدور السعودي" في القضية الفلسطينية ولن أقول "الفضل السعودي" فالقضية الفلسطينية لا يمكن أن يتفضل عليها أحد مهما قدم لها من دعم ومال ومساعدة، ففلسطين ارض وقف اسلامي والقدس والمسجد الأقصى المبارك مُلك لجميع المسلمين وليست حكراً على الفلسطينيين .

فأتمنى من السعودية ممثلة في اعلامها الرياضي و اتحاد كرة القدم فيها عدم المزاودة على الفلسطينيين فالشمس لا تغطى بغربال، و شعبنا وجمهورنا واعلامنا ورموزنا الرياضييون مثقفون الى درجة كافية للدفاع عن أنفسهم، والرد بالحكمة و الحجة والدليل، والقضية بسيطة، واختصرها الرجوب في عبارة بسيطة " إما أن تلعبوا و إما أن تخسروا" ولكم منا كل التحية والتقدير والاحترام والإختلاف يا سادة يا كرام لا يفسد للود القضية والدم عمرو ما بصير ميّة .