أحد فرسان الجنة في خطر .. بارما !

وليد جودة

(كاتب صحفي فلسطيني)

  • 1 مقال

 الرياضية اون لاين- كتب وليد جودة

"جنة كرة القدم" ، هكذا وصف الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا كرة القدم في إيطاليا ، وقد استمر هذا الوصف صالحاً إلى سنوات قريبة ، ليلعب عالم الاقتصاد والمال لعبته ويعبث بتاريخ كروي عريق اسمه الكالتشيو كان متربعاً لسنوات طوال على عرش الأفضلية العالمية.

إيطاليا كانت الوجهة الأولى لكل نجوم كرة القدم ، ودوريها كان الأقوى والأمتع والأكثر جاذبية في الدنيا كلها ، عمالقة اللعبة كانوا هناك ، يستمتعون ويمتعون الجميع في جنة كرة القدم ، يوفنتوس وميلان وانتر وروما ولاتسيو ونابولي وفيورنتينا وغيرهم ، فرق سطرت تاريخاً كروياً لا يمكن نسيانه أبداً ، يضاف لهم اسم بارما الذي أبهر العالم في تسعينات القرن الماضي بنجومه الكبار ، لكن بارما الآن يعاني ، بارما الآن في خطر ، بارما الآن ربما مهدد بالإغلاق نهائياً والخروج من عالم كرة القدم ، الخروج من الجنة !

تأسس نادي بارما لكرة القدم في ديسمبر 1913 في مدينة بارما الإيطالية التابعة لمقاطعة ايميليا رومانيا ، ويشتهر الفريق بلقب الجيالوبلو نسبة إلى ألوان قميصه الجميل الأزرق والأصفر ، بارما لا يمتلك تاريخاً مشابهاً لليوفي والانتر والميلان ربما ، لكنه شكل ظاهرة كروية محلياً وقارياً ، وشكل تهديداً مستمراً لكبار إيطاليا و أوروبا ، قبل أن تلعب الأموال لعبتها مع النادي وتذهب به بعيداً عن الواجهة.

في بداية تسعينات القرن العشرين ، سيطرت شركة بارمالات الشهيرة في عالم صناعة الأغذية على نادي بارما ، ومع صعوده إلى مصاف السيريا آ ، تشجعت إدارة الشركة إلى ضخ المزيد من الأموال في خزينة الفريق لتدعيمه وصنع قوة إيطالية جديدة ، مغامرة كانت ناجحة تماماً حيث برز بارما كقوة كروية إيطالية جديدة ، صحيح أن بارما لم يفز بلقب الكالتشيو ، لكنه كان قريباً من ذلك جداً موسم 96/97 ال1ي حل فيه ثانياً خلف يوفنتوس ، واكتفى الفريق بثلاث ألقاب في كأس إيطاليا أعوام 92 و 99 و 2002 ووصيفاً عامي 95 و 2001 ، بالإضافة إلى لقب السوبر الإيطالي عام 99 ، كل ذلك إلى جانب بروزه الأوروبي بتتويجه بلقب كأس الاتحاد الأوروبي عامي 95 و 99 وكأس الكؤوس الأوروبية عام 93 والسوبر الأوروبي في ذات العام ، كل ذلك أتى بفضل امتلاك النادي كوكبة مرعبة من النجوم الكبار من مختلف أنحاء العالم بشكل متواصل.

تأملوا معي الأسماء التالية : هيرنان كريسبو – جيان فرانكو زولا – فابيو كانافارو – جيانلويجي بوفون – ليليان تورام – توماس برولين – خريستو ستويشكوف – فاوستنيو أسبيريا – دينو باجيو – نيستور سينسيني – خوان سيباستيان فيرون !

كل هذه الأسماء وأكثر تواجدت في ملعب اينيو تارديني الخاص بالجيالوبلو ، كانت كفيلة بأن تصنع فريقاً مرعباً وقد كان ، ولكن دار الزمن على بارما وأصبح بارما في طي النسيان الآن ، بل وربما أكثر من ذلك !

بعد الفضيحة الاقتصادية لشركة بارمالات الراعية للنادي ، تغيرت الأحوال وساءت في بارما ، وبدأت هجرة النجوم من النادي بدون تعويض ، حتى وصل الحال بالفريق إلى الهبوط إلى السيريا ب "الدرجة الثانية" في منتصف العقد الماضي ، بارما استجمع قواه وعاد مجدداً إلى دوري الأضواء ، لكنه عاد بدون أنياب ، مجرد نادي ينافس على البقاء في الصف الأول لا أكثر ، لكن الموسم الماذي كان استثناء لهذه القاعدة حيث قدم الفريق موسماً مختلفاً احتل فيه المركز السادس المؤهل لبطولة الدوري الأوروبي ، ومن هنا بدأت المشكلة مجدداً ، الاتحاد الأوروبي رفض مشاركة بارما في بطولته بعد اكتشاف تأخره عن دفع الضرائب وتراكم مبالغ كبيرة عليه ، فخسر بارما مقعده الأوروبي الذي ذهب إلى نادي تورينو.

منذ الصيف الماضي ، ثلاث رؤساء تعاقبوا على رئاسة النادي ، ثلاثتهم فشلوا في حل أزمة الفريق المالية التي وصلت إلى حد عدم تمكن النادي من دفع أجور لاعبيه لمدة تزيد عن خمسة أشهر ، أزمات متلاحقة أدت إلى تراجع الفريق حالياً إلى المركز الأخير في ترتيب الكالتشيو ، وبدأ اللاعبون يغادرون النادي بحثاً عن أندية قادرة على دفع الرواتب !

قائد الفريق أليساندرو لوكاريلي يصف حال بارما قائلاً : "نحن نعيش في فيلم منذ سبعة أشهر، وأسفي أن الإتحاد الإيطالي لكرة القدم استفاق متأخراً ، جيراردي ( الرئيس السابق) تركنا بمفردنا ، أما تاشي (الرئيس الجديد) لم يسبق لي وأن التقيت به". ، هذا الحال المتردي للفريق وصل إلى درجة أن الاتحاد الإيطالي قرر تأجيل مباراة الفريق القادمة أمام أودينيزي ، والسبب هو عدم قدرة النادي على توفير الأموال اللازمة لتأمين المباراة !

هذا الفيلم كما وصفه لوكاريلي قد ينتهي بكارثة ، بارما قد يعلن إفلاسه قريباً بشكل رسمي ويغلق أبوابه إلى الأبد ، وقد تخسر الكرة الإيطالية أحد نبلائها قريباً ، الوضع بات بحاجة إلى تدخل أحد رجال الأعمال الروس أو الآسيويين أو الخليجيين ربما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، لكن المؤشرات تقول بأن الجنة لم تعد كما كانت ، المستثمرين تتجه أعينهم إلى إنكلترا واسبانيا وفرنسا ويتناسون إيطاليا ، حال الكرة الإيطالية لم يعد جذاباً للمستثمرين ، وأول الراحلين عنا قد يكون بارما في القريب العاجل ، ولا أحد يعلم من يكون التالي ؟!

الأكيد ، أن أحد فرسان الجنة في خطر ، وربما سيسقط الفرسان تباعاً ، وتتحول الجنة إلى جهنم !