لماذا هناك ندرة بلاعبين الارتكاز المتميزين ؟

 

الرياضية أون لاين - موقع سبورت 360 عربية - رامي جرادات

بدأت أهمية لاعب الارتكاز تضح لدى الجميع وليس المدربين والمحللين فقط في عصر “السوشال ميديا” الذي ساعد على التعمق في كرة القدم، فهو اللاعب الذي يضحي من أجل خدمة فريقه وقيادته نحو الانتصارات، دوره في الملعب أصبح مفهوماً إلى حد كبير لدى المتتبعين على عكس مما كان يحدث في الماضي.

ولا شك في أن هناك ندرة واضحة بلاعبين الارتكاز البارعين، ليس في هذا الوقت فقط، بل على مدار التاريخ، فلو أردنا أن نذكر بعض اللاعبين المتميزين الذين يشغلون هذا المركز بالوقت الراهن فسيخطر في أذهاننا مثلاً كاسيميرو، نجولو كانتي، سيرجيو بوسكيتس، ربما نقول ماتويدي وتشابي ألونسو أيضاً، ستلاحظ بعد ذلك أنك تبذل مجهود كبير لكي تجد أسماء أخرى، وستلاحظ أيضاً أن ليس جميع الأندية تملك لاعب ارتكاز بالشكل التقليدي.

وهناك فرق بين لاعب الارتكاز واللاعب المحوري، فالأول وظيفته الأولى هي قطع الكرات والربط بين خطي الدفاع والوسط ويتمركز أمام رباعي الخط الخلفي، كما يجب أن يمتاز أيضاً بالقدرة على بناء الهجمات من الخلف وتسليمها إلى صناع اللعب في الفريق، وفي الغالب يملك قدرات بدنية كبيرة حتى لو كان قصير القامة، أما اللاعب المحوري فهو اللاعب الذي تمر عليه معظم الهجمات، ويتواجد في العادة بدائرة المنتصف، يعمل على ربط جميع الخطوط ببعضها البعض، ومن الأمثلة على هذا النوع تشافي هيرنانديز، بيرلو، لوكا مودريتش، ماركو فيراتي، سيسك فابريجاس، تياجو ألكنتارا ..الخ، من الصعب جداً حصر القائمة لأن هناك العديد من اللاعبين البارعين في هذا المركز على عكس لاعب الارتكاز، وهذا يجعلنا نطرح تساؤلاً؛ لماذا هناك ندرة بلاعبين الارتكاز ؟

من الصعب اكتشافهم

أصبحت الأندية الكبيرة تعتمد على لغة الأرقام بالتعاقد مع اللاعبين، أو رصد اللقطات المهارية والفنية التي تنتشر لبعض اللاعبين في الصحف العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى بمتابعة اللاعب بالعين المجردة، وفي جميع الحالات يكون لاعب الارتكاز مهمشاً، فهو يحتاج لمشاهدة دقيقة ومكثفة لاكتشاف موهبته على عكس باقي اللاعبين الذين يشغلون مراكز أخرى، ولا نستثني من ذلك المدافعين، لأن مباراة واحدة قد تكشف لنا براعة المدافع إذا راقب مهاجم بشكل جيد وأنهى فرص خطيرة للخصم.

ولكي تضح الصورة بشكل أفضل، دعونا نعود لليستر سيتي وموسمه التاريخي، فكانت جميع الإشادات تذهب لجيمي فاردي ورياض محرز حتى منتصف الموسم، بعد ذلك بدأت بعض التقارير تتحدث عن براعة نجولو كانتي في خط الوسط، كما بدأ المتتبعين يلاحظون دور هذا اللاعب المهم في الفريق والذي يفوق دور فاردي ومحرز شخصياً، وهذا ما ألمح إليه كلاوديو رانييري في إحدى التصريحات، ورغم ذلك احتاج النجم الفرنسي لعدة أشهر تحت الأضواء حتى يتم تقييمه بشكل منصف.

لذلك من الصعب القول أنه لا يوجد لاعبين ارتكاز بارعين بوفرة، فالأصح القول أن هناك العديد من اللاعبين الذين لم يتم اكتشافهم بعد، حتى وإن كانوا أقل من المهاجمين أو المدافعين أو صانعي الألعاب، فلم يكن احد يسمع بكانتي قبل عام، كذلك لم يفهم أحد دور بوسكيتس في برشلونة إلى بعد عام 2011، هم متواجدين لكنهم يحتاجون إلى تسليط الضوء عليهم من أجل الانتقال للفرق الكبيرة ويصبحوا نجوم عالميين.

بعض الفرق قد تستغني عنه

رغم أن لاعب الارتكاز من أهم العناصر في الفريق لكن هناك العديد من المدربين لا يؤمنون بدوره في الملعب أو يجدون حلول تكتيكية للعب بدونه إذا لم يكن متوافراً في الفريق، فزيدان مثلاً عند استلامه ريال مدريد اعتمد على كروس ومودريتش في خط الوسط، الاثنان لاعبان محوريان وليسا لاعبين ارتكاز، وعندما تم سؤاله عن عدم الاعتماد على كاسيميرو الذي كان يقدم أداء جيد تحت قيادة رافا بينيتيز أجاب “لست مؤمنا بلاعب الارتكاز الذي يقطع الكرات فقط”، لكن بعد ذلك أعدل عن قراره واضطر للدفع بالنجم البرازيلي حينما فشل كروس ومودريتش في تغطية المساحة أمام رباعي الدفاعي.

يمكن اللعب دون لاعب ارتكاز تقليدي إذا أحسن المدرب توظيف لاعبيه فوق أرض الملعب، وذلك عبر توزيع المهام المطلوبة من لاعب الارتكاز على عدة لاعبين، بحيث يتم سد فجوة خط الوسط بعمل جماعي وليس لاعب فردي.

لاعب الارتكاز يملك خصائص خفية

الجميع يعلم أن اللاعب في الدول المتقدمة في مجال كرة القدم يتم تهيئته منذ الطفولة للعب في مركز معين، فهناك مدربين متخصصين في هذا المجال بحيث يدرسون قدرات اللاعبين الأشبال ويضعوهم في المراكز المناسبة لهم فوق أرض الملعب.

المشكلة في مركز الارتكاز أن خصائصه لا تتضح على اللاعبين بسهولة خصوصاً عندما نتحدث عن لاعبين لم يتجاوزا سن 15 عام، فمن الصعب أن تجد اللاعب المستعد للتضحية من أجل الفريق وقطع الكرات والتعامل بسرعة بديهة عالية في بناء الهجمات من الخلف، وفوق هذا كل أن يقتنع اللاعب بهذا المركز البعيد عن الأضواء أكثر من مركز محور الدفاع نفسه.

بالتأكيد لن يختار أي لاعب في هذا السن شغل هذا المركز إذا تم تخييره حتى لو كان يمتاز بهذه الخصائص جميعها، وقد يكون غير مرتاحاً في اللعب إذا فرض عليه الأمر، وهذا قد يفسر لنا جزئية تحول العديد من لاعبي خط الوسط إلى لاعبين ارتكاز في سن الرشد، كما يعد من الأسباب التي تجعل هناك ندرة من اللاعبين في هذا المركز.