كرة القدم مع "انتفاضة المال".. لم يعدْ هناك مُحال ..!!

كتب-سمير كنعان


قبل 18سنة من الآن وتحديداً عام1998 انفجرتْ في العالمِ صفقةٌ مدويةٌ آنذاك، لنْ يَنْسى صداها مَنْ عاشَ تلك الفترةِ من الزمنِ الجميلِ للساحرةِ المستديرةِ، وكانت مع البرازيلي دينيلسون بمبلغ 21مليون يورو (36 مليون دولار) حين انضم إلى ريال بيتيس الأسباني، وقتها كان المبلغُ خرافياً ولمْ يُعجبْ المتابعينَ لضخامتِه.

وكم أتمنى اليومَ رؤيةَ وجوهِ الناقدين لضخامةِ ذاك المبلغ، بعدما وصلتْ الأرقامُ إلى 100مليون فوق ال21 الخاصة بدينيلسون!!

إنه لأمرٌ غيرُ عاديّ أنْ تصلَ مبالغُ صفقاتِ كرةِ القدمِ إلى ما يزيدُ عن ميزانيةِ بعضِ الدولِ، وكأنَّ العالمَ الرياضيّ وإداراتِ الأنديةِ يعيشون وحدَهم خارجَ هذا الكوكبِ البيضاوي.!!

بدأتْ ثورةُ الأرقامِ مع الرئيسِ الحالي لريال مدريد الأسباني "فلورنتينو بيريز"، الذي بدا وكأنه مافيا في سوق الانتقالات بدايةَ هذا القرنِ الحادي والعشرين، أيْ بعدَ سنتيْن فقط من انفجارِ صفقةِ دينيلسون، ولاحظْ عزيزي القارئ أنَّ ثورةَ المالِ نشأتْ مع الأنديةِ الأسبانية، حيثُ ضربَ الملكي المدريدي مواعيدَ تاريخية بصفقاتٍ أقربَ للخيالِ منها للواقع، حين خطف "لويس فيغو" من برشلونة في حادثة الخيانة الشهيرة عام2000 بكسر عقد بلغَ 60 مليون يورو، وكم كان الفارق كبيراً جداً بين صفقتيْ دنيلسون وفيغو خلال سنتيْن فقط بحواليْ ثلاثة أضعاف، ثمَّ أتبعَها  بصفقتِه الأروعِ مع الأسطورةِ الحيةِ والمدربِ الحالي زيدان الشهير بــ"زيزو" عام2001 قادماً من يوفنتوس بمبلغ 75 مليون يورو، ومازال حتى الآن ضمنَ الأغلى في تاريخِ النادي واللعبة، وتلاهما الظاهرة البرازيلية رونالدو الذي انتقل للريال عام2002 بمبلغ 50 مليون يورو، ثم جاءت الصاعقة الكبرى عام2009 بالتوقيع مع كاكا ب65مليون، ثمّ صفقةِ التاريخِ للنادي حين أقنعَ مانشيستر يونايتد بالتخلّي عن جوهرتِه البرتغالية التي تبيضُ ذهباً مقابلَ 94 مليون يورو، وبغضِّ النظرِ عن كوْن رونالدو فازَ بكلّ شيءٍ وحققَ المُعجزاتِ في مدريد وباتَ الأسطورةَ الأولى للنادي خلال 5 سنوات فقط، إلا أنَّ المبلغ كبيرٌ جداً ورآه الكثيرون مبالغاً فيه وقتها!!
ولكنَّ "بيريز" لم يكتفِ بذلك، بلْ لمْ يكدْ المتابعون يَنْسون الرقمَ حتى أجهزَ عليهم بصفقةِ القطارِ الويلزي "جاريث بيل" ب101 مليون يورو بالتمامِ والكمالِ لِيكونَ الأغلى في تاريخِ المستديرةِ والنادي الملكي عام2013، وقبل عامٍ كان التوقيعُ مع "الكولومبي رودريغيز" بنفسِ قيمةِ زيدان "المادية" 75 مليون يورو مع الفارق الفني الشاسع بينهما!!

ولنْ أختلفَ في قصةِ أحقّيةِ هذهِ المبالغِ أم لا، صحيحٌ أنّه تخللَ تلكَ السنواتِ صفقاتٌ ضخمةٌ مثل رونالدينيو وإبراهيموفيتش وقبلهما فييري وكريسبو وبعدهم آلونسو وأوزيل وشنايدر وروبن النفاثة الهولندية وغيرهم، لكنّها صفقاتٌ لمْ تخرجْ عنِ المألوفِ كوْنَها مبالغٌ معقولةٌ للاعبيها في نظرِ الكثيرين، وليستْ كما فعلَ الريال.!!

واليومَ نحنُ أمامَ زوبعةٍ أخرى بطلُها هذهِ المرّة سيدةُ إيطاليا "يوفنتوس" الذي اخترقَ كلَّ أعْرافِ الكالتشيو وتعاقدَ مع مهاجم نابولي "هيجواين" بكسْرِ عقدٍ وصلَ 94 مليون يورو (ما يعادل صفقة كريستيانو)، ولمْ يبقَ شخصٌ على وجهِ الأرضِ -باستثناء هيجواين نفسه- ينكرُ أنها غير مستحقةٍ بالمرة، بل وحتى اللاعبُ المنتشي برقمِه القياسيّ كأفضلِ هدافٍ لموسمٍ واحدٍ بتاريخِ الكالتشيو ما جعله الآن أفضلَ مهاجمٍ صريحٍ (إنْ اعتبروه صريحاً)، هو نفسُه لا يصدقُ أنه وقّعَ صفقةً بهذا المبلغ، ولولا أنَّ اليوفي أصرَّ على كسْرِ شوكةِ نابولي وروما تعزيزاً لِعرْبَدته المحليّة، كيْ يتفرغَ للأبطالِ كما فعلَ قبلَه إنتر مورينيو، لمَا تمّتْ الصفقةُ من الأساسِ خاصةً بإصرارِ نابولي على الشرطِ الجزائي الكبير.

وما زال يوفنتوس نفسُه يثيرُ زوبعةً أكثرَ ضخامةً بمشاركةِ مانشيستر يونايتد ومورينيو الذي يسعى للتعاقدِ مع نجمِ وسطِ اليوفي والديوك الفرنسية "بول بوغبا" بصفقةٍ ستتخطّى حدَّ الجنونِ تُقدَّر بــ120مليون يورو، وخرجَ كلّ العالمِ عن صمْتِه هذهِ المرة هاتفاً أنها غيرُ مستحقةٍ، وأنَّ المبلغَ غيرُ معقولٍ بتاتاً، فإنْ كان بوغبا وهيجواين بأكثر من مائتيْ مليون، فبِكَم يُباع ميسي أو كريستيانو أو بيل أو هازارد؟؟
ولا ننسى أموالَ الخليجِ التي ضُخَّت في أوروبا وتحديداً مع السيتي الإنجليزي وباريس الفرنسي، وأموالُ روسيا ومافياتُها كما دخلت الصينُ وأمريكا عالمَ الاستثمارِ الكروي بثقلٍ لا يُستهانُ به وبمئاتِ الملايين من الدولارات!!
الأمرُ الذي جعلَ أساطيرَ سابقةً للزمنِ الجميلِ في كرةِ القدم تُعبّرُ عنْ أسَفِها لما آلتْ إليه كرةُ القدم الآن، بعدما كانت بالنسبة لهم متعةً وانتماءً وعشقاً للّعبة، صارت الآن أموالاً واقتصاداً واستثماراتٍ وإعلاناتٍ وحقوقَ بثّ وتذاكرَ سوقٍ سوداءَ وحتى سياسة وغيرها مما يُفسِدُ بنَظرِهم جماليةَ الحدث!

إنّ ما يتفقُ عليه العالمُ الآن، أنّه مهما بلغت قوةُ اللاعبِ ومهاراتُه وحسْمُه لبعضِ المباريات فهذا لا يعني أنْ يصلَ سعرُه إلى كلّ تلكَ الملايين، خاصةً مع زمنٍ تعاني فيه دولٌ وشعوبٌ بأكملِها من الفقرِ المُعدمِ والمجاعاتِ وسوءِ التغذية ونقصِ الأدوية ومشاكلَ لا حصرَ لها، وإنْ استمرَّ ارتفاعُ أسعارِ اللاعبين بهذه الطريقةِ المجنونةِ كأقلِّ وصفٍ لها، فإنَّ الأنديةَ التي ستدخلُ السوقَ بعد عاميْن أو ثلاثةٍ لنْ تتعدّى أصابعَ اليدِ الواحدة، لنْ تتعداها أبداً!!