الرياضية- وكالات
تعكس الأعلام الضخمة للدول المشاركة في كأس العالم لكرة القدم لهذا العام والمنصوبة في كل شارع تقريبا في بيروت "هوس" اللبنانيين وعشقهم لهذه اللعبة، الا ان هذا الحدث العالمي يشكل لهم متنفسا هربا من الضغوطات السياسية والأمنية والاقتصادية ويسقط ولو مؤقتا "خطوط التماس السياسية" التي تسمم حياتهم.
ويحتار نظر المتجول في شوارع بيروت هذه الايام، فالكثير من الابنية تغطت باعلام البرازيل، الدولة المضيفة للدورة الـ14 لكأس العالم في كرة القدم، كما اعلام المنتخبات الرئيسية مثل المانيا وفرنسا واسبانيا والارجنتين وهولندا. وكان لمنتخب ايران حصة كبيرة فرفعت اعلام بلاده من مختلف الاحجام في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله الرئيسي.
وكما في الضاحية الجنوبية، تكشف مساندة هذا الفريق او ذاك بعض من "الهوى السياسي" للمناطق الاخرى في بيروت والجبل وشمال وشرق وجنوب لبنان. واعلام المنتخبات والشعارات الرياضية التي رفعت على السيارات المتجولة في الشوارع بات تشكل استفتاء على الفرق المفضلة للبنانيين.
وتنطلق غدا الخميس الدورة الـ14 لبطولة كأس العالم لكرة القدم في ريو دي جانيرو بمباراة الافتتاح التي ستجمع بين منتخبي البرازيل بقيادة مهاجمه الخطير نيمار دا سيلفا وكرواتيا بقيادة النجم لوكا مودريتش وستدفع اللبنانيين للتسمر امام شاشات التلفزة منذ الغد .
ويحظى منتخب البرازيل في بيروت بتشجيع "غير عادي"، حيث الأجواء الرياضية المميزة التي يندر رؤيتها في أي عاصمة عربية أخرى.
ويعتبر المونديال "المتنفس الوحيد" عند كثير من اللبنانيين للخروج من الضغوطات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد منذ زمن، حيث ينتظر هؤلاء هذه البطولة لـ"يفجروا" ما في نفوسهم من ضغوط وهموم من خلال التشجيع المفرط للمنتخبات.
يوسف شهاب، شاب لبناني يشجع المنتخب البرازيلي، اعتبر أن سبب "هوس اللبنانيين" بتشجيع فرقهم المشاركة بالمونديال "يعود لفقدان ما يتعلقون به في بلدهم".
وقال شهاب أن مشجعي كرة القدم في لبنان "لا يملكون إلا الغلو بالاهتمام بالمونديال هربا من الضغوط السياسية والاقتصادية والروتين الحياتي اليومي".
وكعادة اللبنانيين، فهم يحوّلون كل مناسبة غير سياسية بـ"فن وإتقان" لمناسبة تنافسية سياسية بإمتياز، فتشجيع المنتخب الايراني يعكس الوفاء لهذه الدولة كونها "الداعم الأول والأكبر لخط حزب الله المقاوم".
محمد عساف، أحد سكان الضاحية الجنوبية والذي يشجع المنتخب الإيراني، يرفع 5 أعلام لإيران على شرفة منزله، وهو يرى أن دعم وتشجيع هذا المنتخب "واجب على جمهور المقاومة"، معتبرا أن إيران "تستحق الوقوف معها في هذه البطولة لأنها تقف معنا".
وقال عساف أنه في حال خروج إيران من البطولة "سأشجع البرازيل الحليف القوي لنا"، داعيا الى عدم الاستغراب من ربط السياسة بكرة القدم "فنحن في لبنان نعمل لمصلحة المقاومة وقضايا الأمة".
ولا تقف الامور عند هذا الحد. فمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت تضج بنكات وسخريات "سياسية لبنانية مونديالية" تظهر المعيار الذي يعتمده بعض اللبنانيين لاختيار المنتخب الذي يشجعونه في هذه الدورة من كأس العالم.
حسن بحلق، بادر على صفحته على موقع "فيس بوك" لشرح "كيف أن الشعب اللبناني يشجع على الألوان" منتخبات كأس العالم.
فلفت بحلق أن علم البرازيل المكوّن من الأصفر والأخضر والأزرق، يجمع الوان اعلام القوى السياسية المتناحرة في لبنان: قوى 8 آذار المؤيدة للنظام السوري، وقوى 14 آذار المناصرة للثورة السورية. فمن الطبيعي أن تدعمه حركة أمل (علمها أخضر) وحزب الله (علمه أصفر) من قوى 8 آذار، مقابل تيار المستقبل "الأزرق" من قوى 14 آذار.
وأضاف أن بقية مناصري قوى 14 آذار، مثل حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية" يشجعون المنتخب الفرنسي "بسبب الارتباط الوثيق بالأم الحنون فرنسا"، أما المنتخب الروسي فتشجعه الأحزاب الشيوعية وجمعية الطلاب المتخرجين من روسيا وبعض من "حزب الوطنيين الأحرار" حبا باللون الأحمر.
ولفت بحلق الى أن المسيحيين "المتدينين" وبعض مسيحيي 8 آذار يشجعون المنتخب الإيطالي "من أجل الفاتيكان"، أما الشيعة فيشجعون المنتخب الإيراني لـ"قرابة الدم والطائفة مع إيران"، والسنة يشجعون المنتخب الجزائري "بحجة العروبة والدين".
أما إقتصاديا، فاللبنانيون لا يفوتون فرصة مثل "المونديال" لتنشيط تجارتهم واعمالهم الراكدة بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية، فازدهرت صناعة الأعلام التي استحدث لبيعها نقاط خاصة في شوارع بيروت. أما المقاهي فقد اعدت لعدة لاستقبال "عشاق" كرة القدم لمتابعة كل المباريات مباشرة على الهواء من دون الاهتمام بفارق التوقيت بين بيروت و ريو دي جانيرو.
وقال المعلق والمحلل الرياضي عباس حسن أن المونديال "يخرج الناس من جو سياسي اشمأزت منه.. ويجعل اللبنانيين يبحثون عن أبطالهم ليشجعونهم بسبب فقدان البطل الحقيقي" في بلادهم.
ورأى حسن في حديث أن في فترة المونديال "تسقط خطوط التماس السياسية في لبنان"، مشيرا الى إمكانية توافق البعض من قوى 14 آذار مع قوى 8 آذار بتشجيع المنتخب ذاته.
وقال أن المونديال "ينهي حدود الألوان بين التيارات السياسية"، مضيفا بحسرة أن الشعب اللبناني "مميز وفريد.. فهو مدير وسياسي ومطرب ورياضي، يفقه كل شيء إلا المحافظة على البلد".
وأوضح أن مظاهر التشجيع في الشوارع وانتشار الأعلام "ليس بالأمر الجديد على اللبنانيين"، وباتت بمثابة "متنفس للشعب بالرغم من بعض المبالغات التي قد تحصل هنا أو هناك".
ورأى أن ظاهرة انتشار أعلام الدول المشاركة في المونديال في الشوارع وعلى الأبنية والسيارات والدراجات النارية "إيجابية"، متمنيا ألا تعكس "تعصبا أعمى بالتشجيع أو سببا لنسيان الهوية الوطنية".
ولفت حسن الى أن لبنان يستفيد اقتصاديا من هذا الحدث الرياضي فـ"المقاهي والمطاعم والأسواق تعج بالمشجعين في هذه الفترة".
وقال أن المميز في مونديال هذا العام أن المفاجآت ستكون كثيرة، متوقعا خروج فرق "كبيرة" من الدور الأول وتقدم فرق "صغيرة" الى النهائيات.
وأعتبر أن منتخب كوريا الجنوبية أو المنتخب الياباني "قد يحققان نجاحات"، متوقعا أن لا تكون نتيجة المنتخب الإسباني "إيجابية".
وعن المنتخب الفرنسي، قال حسن أنه "فريق ممتاز... إلا أنه قد يخرج من الدور الأول"، لافتا الى أن المنتخب الألماني "هو الفريق الوحيد الثابت بالقتال، أما المنتخب البرازيلي فسيستغل عامل الأرض والجمهور".
وتخوف حسن من "أحداث أمنية" في البرازيل أثناء المونديال، مشيراالى أنها "ستكون من المفاجآت أيضا".
لكن كل الأمل عند اللبنانيين أن لا تخرق أي أحداث أمنية في بلادهم الهدوء النسبي المسيطر على لبنان في هذه الفترة وبالتالي "لذة الاستمتاع" بالمونديال.