مقالات عرض الخبر

الجوع قاسٍ جداً...!!

اللاعب الفلسطيني احمد عميرة يفتتح بسطة شعبيّة له ولأبنائه في غزّة

2025/08/18 الساعة 06:12 م

الرياضية أون لاين : القدس- كتب خليل جاد الله

اضطر مدافع نادي شباب جباليا الفلسطيني، أحمد عميرة (38 عاماً)، إلى افتتاح "بسطة تجارية شعبية" في أحد أحياء مدينة غزّة، للتغلّب على ظروف التجويع والنزوح التي طاولته وطاولت عائلته خلال الحرب المستمرة على الفلسطينيين منذ السابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023.

   وأكد عميرة في حوار أجراه معه "العربي الجديد" أنه يعمل في مجالٍ لم يتخيّله يوماً، وعبّر عن مشاعره المتضاربة وهو يرى أطفاله يعملون على بسطة مجاورة له، موجهاً رسالة مؤثّرة للاعبي كرة القدم العربية والعالمية، في ظل الظروف المعيشية والإنسانية الصعبة التي تعرّض لها العدد الأكبر من لاعبي كرة القدم في قطاع غزّة، ما اضطر جزءاً منهم للعمل في مجالات لم تخطر على بالهم في أوقات سابقة. 

من هو أحمد عميرة قبل حرب الإبادة؟ 

أنا أحمد عميرة، لاعب كرة قدم فلسطيني، ألعب في مركز الدفاع، ومثّلت عدداً من الأندية خلال مسيرتي الكروية، كان آخرها شباب جباليا في دوري الدرجة الممتازة الفلسطيني لكرة القدم، وقبلها أندية فلسطين، والصداقة، وأهلي غزّة. والدي فلسطيني ووالدتي مصرية، وُلدت في العاصمة المصرية القاهرة، لكنني عُدت صغيراً إلى قطاع غزّة وسكنت حيّ الصبرة في مدينة غزّة. أحمل شهادة البكالوريس في اللغة العربية والإعلام من جامعة الأزهر 2010. 

هل فكّرت بمغادرة قطاع غزّة خلال الأسابيع الأولى للحرب؟ 

لأن والدتي مصرية، ولأنني وُلدت في مصر فأنا أحمل الجنسية المصرية، كان بإمكاني مغادرة غزّة في الأسابيع الأولى للحرب، لكنني فضلت البقاء فيها لأن حياتي كلّها معلّقة بغزّة وعملي أو عيشي فيها، خاصة وأننا كنا نعتقد جميعاً أن عُمر الحرب لن يطول إلى هذا الحدّ. لم أنزح من مدينة غزّة إلى مدينة أخرى رغم كل التهديدات وعلى الرغم من أننا عشنا ظروفاً قاتلة في وقت من الأوقات، بما في ذلك الجوع والحصار، لكن بعد مدّة اضطررت للنزوح إلى منزل والدي بسبب تضرّر منزلي بشكل جزئي، واستمرّ هذا الحال لمدّة عام كامل، ولكنني عُدت قبل مدّة لمنزلي بعد صيانته، ولا أفكر بمغادرته أبداً، لأن الأماكن كلها في غزّة معرّضة للاستهداف، ولأنه "حصني الأول والأخير".

ماذا فقد عميرة خلال حرب الإبادة؟ 

فقدت الكثير، أو ربّما يمكنني القول بأنني فقدت كل شيء. فقدت أصدقاء، وزملاء، وملاعب، وحارات، ومُدناً، وحجارة كانت تمثّل لي ولأجيال متعاقبة من أهالي غزّة الكثير. مثلاً، فقدت في نادي شباب جباليا عشرة زملاء، منهم أعضاء في مجلس الإدارة، ومسؤول للإعلام، ومدير للدائرة الطبية، ومهاجم الفريق محمد الملفوح، ومدافعه مصطفى شاهين، وحارسه يوسف حمادة، إلى جانب اللاعب السابق أحمد منصور، ومسؤول قطاع الناشئين نهاد الملفوح.

عموماً، كانت تجمعني علاقة صداقة أو قرابة أو أخوة بمعظم الرياضيين الذين استشهدوا خلال حرب الإبادة، وعلى رأسهم الشهيد سليمان العبيد، والشهيد إسماعيل أبو دان.

أحياناً لا أستطيع تخيّل هذا الكمّ من الفقد، وأحدث نفسي بأن الأمر قد يكون مجرّد كابوس نصحو منه لاحقاً، لأن عدد الذين فقدناهم كان ولا يزال عصيّاً على الاستيعاب.

 حينما تتوقف الحرب، أعتقد أننا سنشعر بقيمة ما فقدنا أكثر. لم يبق في غزّة لاعبون، ولم يبق فيها ملاعب، ولم يبق فيها إداريون أو حكام، بقي فيها عدد قليل من المشجّعين، ولولا أن عدّاد الشهداء والمصائب لم يتوقّف حتى الآن، لترك رحيلهم أثراً أكبر علينا.

في اليوم الأول لتوقّف الحرب سنصاب جميعاً بصدمة قاسية. رحل الكثير وبقي القليل.

كيف فكّرت في افتتاح بسطة تجارية شعبية؟ 

في الأشهر الستة الأولى من الحرب جلست دون عمل، وكنت أصرف على عائلتي من بعض المبالغ المدّخرة، ولكن الأمور ازدادت سوءاً مع توالي الأيام، وأصبحنا نشعر بالجوع.

الجوع شعور قاسٍ جداً، إذ فقدت أكثر من 20 كيلوغراماً من وزني، وشاهدت معاناة أطفالي وعائلتي أمامه، فقرّرت ألا أقف مكتوف الأيدي. بعد مدّة من الحرب قرّرت افتتاح بسطة شعبية في أحد شوارع مدينة غزّة، وبدأت ببيع الأواني البلاستيكية التي تلزم الأهالي في ظلّ النزوح المستمرّ.

وجدت بأن الأمر بدأ يدرّ عليّ مردوداً مادياً مقبولاً يساعدني أنا وعائلتي على العيش، فقرّرت أن أتاجر بكل الأصناف الممكنة، فعملت بائعاً لملابس الأطفال والرجال والسيّدات على البسطة نفسها، وحالياً أبيع أي شيء يعود عليّ بالربح البسيط والمقبول، ولا أجد حرجاً في العمل على "بسطة شوارع"، لأن المسؤولية الملقاة عليّ أكبر من التفكير في نوعية أو شكل العمل الذي أقوم به.

   وقبل فترة افتتحت بسطة مجاورة لأبنائي من أجل بيع "السكاكر والشيبسات"، لأنهم أرادوا مساعدتي في توفير لقمة عيش لنا جميعاً. عندما أنظر إليهم تتداخل لديّ المشاعر، إذ كنت أتقاضى حوالى 1000 دولار شهرياً قبل الحرب من العمل في مجال كرة القدم، والعمل موظفاً في وزارة المالية، ولم أقصّر في تدبير أمور المنزل أبداً ولا سيما لأبنائي ومتطلباتهم، ولكن أحياناً أقول لنفسي: "من خلال هذا العمل سيتعلّم أبنائي مبكراً قيمة لقمة العيش، وربّما تساعدهم هذه اللحظات على تكوين شخصيات قوية جداً لفترة ما بعد الحرب، ويفهمون كذلك أن العمل شرف، والجلوس في المنزل دون محاولة للعيش إهانة". 

هل لدى عميرة رسالة للاعبي كرة القدم العرب والمسلمين أو النجوم العالميين؟ 

رسالتي للاعبي كرة القدم العرب والمسلمين أن في صمت جزء كبير منهم مساعدة للاحتلال في الاستمرار بارتكاب مجازره بحقّ الفلسطينيين، بمن فيهم الرياضيون تحديداً.

لا أطلب شيئاً مادياً من نجوم الكرة في الملاعب عموماً، فقط أطلب منهم مساعدة معنوية تُشعرنا بأمان الانتماء لهذا المجتمع المتراصّ في أوقات كثيرة، والذي وقف متضامناً مع قضايا إنسانية مختلفة، كقضايا وفاة اللاعبين المفاجئة، أو حوادث تحطّم الطائرات، أو الأمراض المزمنة.

أريد من عالم كرة القدم أن ينظر إلينا بالنظرة ذاتها التي نظر بها إلى الرياضيين الأوكرانيين، أو إلى الرياضيين الذين هربوا من ظروف إنسانية قاسية وحقّقوا نجاحات كبيرة بعد ذلك، مثل الكندي- الليبيري ألفونسو دافيز، نجم نادي بايرن ميونخ الألماني، الذي هرب من الموت وأصبح أهم ظهير أيسر في العالم، وبات في عين العالم كلّه بطلاً.