الرياضية أون لاين : فايز نصّار
أول دروس الإعلام عدم بخس الناس أشياءهم، والوقوف على المسافة نفسها من جميع أركان اللعبة، بعيداً عن تجاذبات الجنسيات، والأعراق، والأديان.. وغيرها من العوامل التي تفرق بين الناس، على عكس الملاعب التي يتنافس في مبارياتها الجميع، لأنّها تمثل لغة مشتركة، تماماً مثل الموسيقى، والفن التشكيلي.. وغيرها من ضروب الإبداع.
الحقّ يقال: إن كثيراً مما يصلنا من الإعلام الرياضيّ- وخاصة في البلاد العربيّة- يحيد عن معيار النزاهة هذا، فترى الإعلامي يفكر في خبزه اليوميّ، قبل التفكير في خدمة الحقيقة، ويسهب في تسليط الأضواء على المنصات، ناسياً الأبطال الحقيقيين، ممن يُبَلل عرقهم ميادين التنافس.
ويبالغ كثير من إعلاميينا العرب في الاعتداد بأبناء وطنهم، ويمنحون نجوم بلدانهم اهتماماً زائداً، بما يحوِّل المتابعة الرياضيّة إلى تكلّف معيب، من عيناته حديث وسيلة إعلام عربيّة عن تألق سعد عبد الحميد مع روما، وهو الذي لم يلعب إلا دقائق معدودات، ومانشيت صحيفة عربية عن دوري في دولة أخرى، ذكر اسميّ مواطنيها المّدرِبَين كبطلين، رغم أنّ أحدهما فاز، والثاني خسر!
يشبه هذا ما طالعتنا به الصحف صباح الأربعاء، من عناوين غير محايدة، منها:" جمال بلماضي يقود الدحيل لدور المجموعات في نخبة آسيا"، و"حسام البدري يقود أهلي طرابلس للقب بطولة ليبيا"، و"النصيري يقود فنربخشة للتقدم في دوري أبطال أوروبا"، وعند تفحصي لهوية القلم الذي كتب هذه العناوين، وجدت أنّه يحمل جواز سفر المدرب أو اللاعب الذي مُيِّز في العنوان!
لست ضدّ أن يتعاطف الإعلاميُّ مع قضايا وطنه، وأنّ يعتد بأبطال بلده الذين يصنعون المجد في الدوريات المختلفة، والخلاف حول المبالغة في الإشادة، والزيادة في الإطراء، وبخس نجوم آخرين فعلهم في المباراة نفسها، لأنّ عمل النصيري في مباراة فنربخشة وفينورد لا يقل أهمية عن فعل مورينيو، ولأنّ هناك أحد عشر لاعباً تعبوا مع جمال بلماضي لتحقيق الفوز، ومنهم بلدياته الواعد عادل بولبينة، وكذلك الأمر بالنسبة لنجوم الأهلي الطرابلسيّ.
عشت مثل هذه الحالة في الجزائر مطلع التسعينات، عندما كنت أتعاطف مع المدرب الفلسطيني منصور الحاج سعيد، الذي كان يواجه تحدّياً كبيراً، عندما قاد فريق اتحاد الشاوية للقب الدوري في بلاد المحاربين، ولكن ذلك لم يؤثر على حيادي، ونزاهة خياراتي في الكتابة.
وعاش إعلاميونا الحالة بعد انضمام وسام أبو علي للأهلي، ونيله لقب هداف الدوري المصريّ في نصف موسم، وفوزه مع نادي القرن بخمس بطولات، والحقّ يقال: إنّ كثيراً من إعلاميينا وقفوا مع وسام ظالماّ ومظلوماً، فيما ظهرت أقلام محايدة، غضبت من ردّات الفعل غير الرياضّة تجاه وسام، وبعضها مسّ شعبه، وعتبت عليه تخلفه عن الفحص الطبيّ، واختياره لنادي أمريكي على حساب حضن الأهلي الدافيء!
الحقّ يقال: إن لنجومنا علينا حقّ الوقوف بجانيهم، والمهنيّة تقتضي تسليط الأضواء على إبداعاتهم، والوقوف أمام زلاتهم بحياديّة، ولا بدّ من نصرة النجم المظلوم، والعمل على منعه من الظلم، إن كان ظالماً!