شيخ ملاعب فلسطين

فايز نصار

()

  • 1 مقال

كاتب وناقد رياضي

في المرمى

 شيخ ملاعب فلسطين

 فايز نصّار- القدس الرياضي

 لم يجد الشاعر الأمويّ ذو الرمّة مكاناً بين عمالقة عصره جرير والفرزدق والأخطل، لأنّه اختار تحنان الوصف الرومنسي، الذي يمزج الغزل ببكاء الأطلال، ومن ذلك قوله : أَخُطُّ وَأَمحو الخَطَّ ثُمَّ أُعيدُهُ ... بِكَفّي وَالغِربانُ في الدارِ وَقَّعُ ! ما زالت الغربان في الدار وقع، ويلمحها من يقف على عضّ الدهر بنابه شيخ ملاعب فلسطين المطران، ليسأل: إن كان تميم البرغوثي قد مرّ على دار الحبيب في هذا المتحف الكرويّ، يوم ردّه قانونُ الأعادي، وهل رأى في القدسِ حين زارها ما فعل الغريب بمطران القدس الشريف؟ يُفجع من يمرّ على تلك الديّار بأطلال الملعب العتيق، الذي كان منتدى التنافس الكروي، فحوله الغرباء إلى موقف سيارات، دون أن ينبت أيّ منا بفعالية اعتراضية! رغم أنّ ما تعرض له يمثل عيّنة من ساديّة الدخيل بحقّ مواريثنا التاريخية في العاصمة، ومنها الملاعب، التي غيّر المحتلون معالمها، كما فعلوا بالمطران، والشيخ جراح.

 يقع ملعب المطران في شارع نابلس، مقابل جمعية الشبان المسيحية، التي ساهم فعلها في حيوية الملعب، الذي كان حاضنة الرياضة الفلسطينية قبل وبعد احتلال 1967، والذي يمثل رمزيّة رياضيّة فلسطينيّة، رغم كونه ملعب صغير، وأرضيته ترابيّة صلبة، وليس في مدرجاته القليلة متسع للجماهير، التي كانت تتوافد على القدس، لمشاهدة خيرة النجوم. 

سجل ملعب المطران ملامح النجومية الفلسطينية، وفي جنباته بصمات النجوم الموهبين، وليس على ترابه شبر لم يضرج بدماء المبدعين، الذين تألقوا فيه، وعانوا من سوء أرضيته.. فهنا دماء من ركبة نجم، وهناك رواق انطلاقات الطوباسي، وارتقاءات رأسية للعباسي، وهناك شباك مزقتها صواريخ حاتم، ومراوغات رائعة أبدعها عجور، وحكاية كتبها عمر، وتمريرات ساحرة صنعها عارف، ودفاعات نظمها ابو السباع، وأهداف ذهبية وقعها برأسه زكريا .. هناك كان يحتشد النجوم، ممن نقشوا بالأظافر حكاية الزمن الجميل. 

كان ابناء جيلي يؤمون بيت المقدس، للصلاة في المسجد الأقصى، والتلذذ بكنافة جعفر، ومشاهدة المباريات الكبرى التي كان يستضيفها الملعب الترابي، ومعظمها كانت تجمع كبيري العاصمة الواي وسلوان، اللذين كانا يضمان نخبة نجوم الكرة الفلسطينية، من أمثال مصطفى العلمي، ويوسف البجالي، وعبد الله الكرنز، ويوسف الدلياني، وابراهيم نجم، وحاتم صلاح، وموسى الطوباسي، وزكريا مهدي، وزكش في الجمعية، وابو السباع ، وعارف عوفي، وناجي عجور، وماهر حميدة، وموسى العباسي في سلوان ! كلّ هؤلاء النجوم وغيرهم، ساهموا في صناعة التغريبة الكروية الفلسطينية في الزمن الجميل، وكان المطران خير حاضن لهم، ونال عن جدارة لقب شيخ ملاعب فلسطين، وملتقى خلان الجلد المنفوخ، وللحديث بقية.