في المرمى
من وحي القلم
. فايز نصّار- القدس الرياضي
"آه لو ضاعف الصحفيون الرياضيون العرب ساعات قراءاتهم .. وآه لو عرف المعلقون الرياضيون العرب كيفية نطق أسماء الأبطال العرب، قبل أسماء الأبطال العجم".
منذ خمسين سنة نفث عميد الإعلاميين العرب موسى بشوتي بهذه" الآهات" وهو يجادل صحبه حول ضرورة كتابة اسم العداء الأولمبي التونسي محمد القمودي، الذي كان يكتبه البعض "الجمودي"، ولكنّ الرجل الفلسطيني– الذي لا يعرفه الكثيرون– رحل وفي نفسه شيء من هذه الآه، لأنّ حلمه بإصدار" القاموس الأولمبي العربي" لم يتحقق! تذكرت البشيتيّ اليافاويّ، وأنا أتابع ما وصل إليه الإعلام الرياضي العربي من رداءة، لأنّ كثيراً ممن تقدموا الصفوف الإعلاميّة غير مؤهلين، فخلا الميدان لأمّ حميدان، وانحرفت بوصلة السلطة الرياضيّة الرابعة.
ومع تزايد أهمية صاحبة الجلالة، بمشاربها المختلفة تزايد اهتمام أعداء الأمة، الذين خططوا لضربها في أغلى مقدراتها، من خلال حرب مبرمجة على اللغة العربية، لأنّهم يدركون أهميّة اللغة، التي طالما وحَّدت العرب– على اختلاف لهجاتهم– وساهمت في تأليف الوجدان المشترك لأبناء الضاد، الذين حمّلهم الخالق أغلى الأمانات، فكانت الحرب على العربيّة، التي تشكل علامة فارقة بين لغات الأمم الأخرى، وتنفرد بسحرها، كونّها لغة القرآن، ولغة أهل الجنة! وتعددت أسلحة الأعداء في حربهم على العربيّة، من خلال الترويج للغات الأخرى، والتقليل من أهمية اللغة القوميّة في ترسيخ شخصية الأمة، وبتشجيع غير المدركين بأهمية اللغة على استخدام المصطلحات الأجنبية، التي زحفت على لغة الصحافة الرياضية، وظهرت بشكل أكثر فتكاً على صفحات التواصل، بما يجعلنا نتساءل عن الإنجاز الذي يحققه الصحفي الرياضي، والمدوّن المجتهد في استخدامه كلمة "كوتش" بدل مدرب، و"ماتش" بدل مباراة، و"اوفسايد" بدل تسلل، و"جول" بدل هدف ... وغير ذلك .
يقتضي الأمر هجوماً معاكساً، يشارك فيه كلّ المؤمنين بأهمية الضاد، لإعادة الاعتبار لها في إعلام الرياضة، ومحتويات التواصل، مع توحيد المصطلحات الرياضية، من خلال مجامع اللغة العربية، حتى لا ترتبك آذاننا بين من يقول: رمية تماس، ومن يقول: جانبية، ولا نسمع من يقول: ركنية، ومن يقول: زاوية. والأخطر أنّ كثيراً متعاطي الإعلام الرياضي ساهموا في تسرب الضعف اللغويّ، تأكيداً لما قاله أحدهم: إنّ اختراع المسدس جعل الجبان مقاتلاً، وإنّ مواقع التواصل جعلت قليلي القدرة كتاباً . ويتصل الخلل بالشكل والمضمون، فتسربت المضامين الضعيفة، وأخطرها عندما أسمع من معلق "جهبذ" يقال: إن الاتحاد الفلسطيني هو أول اتحاد آسيوي، فيما ذهب معلق مشهور بشعبيته إلى أنّ أول مباراة في كأس العالم كانت بين سوريا ومصر. ويبدو الخلل أكثر في مجال الأساليب، حيث تبكي لغة الضاد من أخطاء إملائية، ونحوية، تحتاج إلى تمحيص ودقة من الكتاب، حتى سمعنا بوسيلة إعلامية "مرخصة" تكتب "ناقض" بدل ناقد. لأنّ الأمر خطير، أكتفي بهذا، وأختم بما جاد به قلم الرافعي في "وحي القلم": " ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عَظَمَته فيها، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها ..."