في المرمى
أمانة الكلمة
فايز نصّار- المحرر الرياضي بصحيفة القدس
يعقد الجمهور الفلسطينيّ آمالاً عريضة على قطاع الرياضة، متمنياً أن تساهم في تحقيق طموحاته، وتخفف عنه بعض أوجاع الاحتلال الذي لا يرحم، في انتظار يوم يرحل السادّيّون، وينتهي الفلتان المجرم، الذي امتد إلى كلّ مظاهر حياتنا. أزعم أنّ الفلتان- بمظاهره المختلفة- وجع لا يقل ألماً من أوجاع العدوان، وللفلتان تواجد في ميادين الرياضة، وأعمدة صاحبة الجلالة، ويظهر في التنمّر على المجتهدين في المجال الرياضي، وبخس المبدعين نجاحاتهم، وصولاً إلى سوء استخدام سلاح التواصل الاجتماعي، وتراشق الكلام غير المباح، من قبل من وجدوا ساحة الإعلام فارغة، فركبوا الموجة، دون إدراك حقيقي لمدى تأثير الكلمة، عندما تتحول إلى سلاح بيد المنفلتين! أدرك عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مخاطر اللغط، الذي يصدر من المثقفين، عندما هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر، بقوله: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي ! ولمّا شكا الزبرقان الحطيئة لأبي حفص تجني الحطيئة، استشار أمير المؤمنين الخبيرَ اللغوي عبد الله بن عباس، الذي أفتى بأنّ في الكلام إساءة وتجريح، فحبس الفاروق الحطيئة، الذي استعطفه بعد مدة، بقوله : ماذا تَقولُ لِأَفراخٍ بِذي مَرَخٍ .. حُمرِ الحَواصِلِ، لا ماءٌ وَلا شَجَرُ. أَلقَيتَ كاسِبَهُم في قَعرِ مُظلِمَةٍ .. فَاِغفِر علَيكَ سَلامُ اللَهِ يا عُمَرُ! فعفا عمر عنه، واشترى منه أعراض المسلمين بعطايا كانت تمنح له دورياً. والمعنى أنّه غير مقبول إساءة استخدام الكلمة، التي قد تكب صاحبها في النار، وغير مقبول التجاوز في انتقاد المكلفين، إلا في حدود ما يسمح به النقد البناء، وعلى أرضية احترام الرأي، والرأي الآخر، ودون السماح بتجريح المكلفين، لأنّ مشاعر الناس خطّ أحمر، ومجادلتهم يجب أن تكون في حدود حسن الخلق، ولكم خير درس في قول الله تعالى، عندما طالب موسى وهارون بمخاطبة فرعون: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا، لعله يتذكر أو يخشى". وغير مقبول اعتراض المكلفين بالمهام على انتقادهم، ولا يجب أن يعتقد مكلف بأنّه فوق النقد، الذي يمارسه العارفون، للمساهمة في تحسين الأداء، من خلال إظهار النقائص لتفاديها، وإبراز المحاسن لتعزيزها. ولا يجب التعامل مع المكلفين بالمهام وفق الهوى، فنقد ما ينجزون من مهام حقّ للجميع، تماماً كما أنّه لا يجب المشاركة في تلميع إنجازاتهم على خلفيات عصبيّة، فنعود لزمن غٌزية، التي إن غزت غزونا، وإن ترشد غزية نرشد، بما يعني عدم الحديث عن الإنجازات بعيداً عن تناول عناصر الإنجاز فنياً، ومن قبل المختصين. وفي المقابل، نقف ضدّ التجييش لمناصرة هذا، أو ذاك، على طريقة الفزعة، التي أراها من مخلفات الجاهلية الجهلاء.. وقبل هذا وذاك كلّنا ضد أن يدافع المكلفون عن إنجازاتهم بالتشكيك بالآخرين، لأنّه ليس بيننا من يحمل أجندة بوصلتها غير القدس! أدعو الله أن يُخلِّص البلد من آفة الفلتان، ومن مظاهره فلتان الأقلام، وفلتان الكيبورد، وفلتان ألسنة من لا يريدون طاعة الرسول، الذي قال لمعاذ بن جبل: " كفّ عليك هذا" في إشارة إلى لسانه.