في المرمى
عندما تطير الحمير
فايز نصّار - المحرر الرياضي لصحيفة القدس
سمعت بأنّ أسرة بسيطة رفضت عرض زواج رجل غنيّ على ابنتها، ولمّا راجع الرجل الأسرة حول سبب الرفض، قالوا له بص هوراحة: "انت بتدِجّ الحَكي دَجّ"، فردّ عليهم: "مين الحمار، اللي بقول هالحَكي؟".
المشكلةُ أنّ الكثيرَ من أمثالنا تستفزُ الحِمار، الذي يسميه الغَلابي" أبو صابر"، فمن يتعب، يقول: "غُلب حِماري"، ومن لا يعمل إلا بشدة المتابعة نقول عنه: «زيّ الحمار، ما يجيش إلا بالنخس».
وصل صيت الحمار إلى مدينة فيرونا الإيطالية، حيث المناكفة بين قطبيّ المدينة هيلاس وكييفو .. في فيرونا هذه ظلّ أسيادُ الكُرة يرددون أغنية: "عندما تطير الحمير" ولم يتوقفوا عن الشدو بها، حتى اصبحت شعاراً يترددُ عامًا تلو الآخر، بل عِقدًا تلو الآخر .
تأسس نادي كييفو فيرونا عام 1929، ويلعب في دوري الدرجة الثانية، ويتقاسم الفريق مع غريمه التقليدي هيلاس فيرونا -المنافس في الدوري الإيطالي الدرجة الأولى- الجماهير في المدينة.
وسبب تسمية كييفو بلقب "الحمير الطائرة"، اللافتة الملعونة، التي رفعها جمهور هيلاس فيرونا في الديربي عام 1990، والتي كُتب عليها: "عندما تطير الحمير، سوف نواجهكم في مباراة ديربي الدرجة الأولى من الدوري الإيطالي".
وفي القول: إشارة ساخرة من جماهير الهيلاس على تواجد الكييفو في درجات أدنى، قبل أن يعود كييفو للأضواء في 2001 ،ويتم وصفه بالحمير الطائرة منذ ذلك الحين.
والغريب أن مسؤولي ومشجعي نادي كييفو، لا يتحرجون من لقب "الحمير الطائرة"، بل يضعوه شعارًا بجانب اسم النادي، على الموقع الرسمي للنادي على الانترنت.
لا أحب تشبيه مخلوق بالحمار، رغم أنّ القرآن الكريم شبه " البتاع" بالحمير، التي تحمل أسفارا، كتوصيف لمن تكتنز سريرتهم بالعلوم، التي لا يطبقون منها شيئاً، ليصطفوا مع المنافقين، الذي هم اخوان الشياطين.
وكما ميز المصطفى عليه السلام القضاة إلى ثلاث فئات، فئة واحدة منهم في الجنة، كذلك الكتاب ثلاثة أنواع، الأول كالحمار يحمل أسفاراً، والثاني لا يعرف كوعه من بوعه، وتراه يزجّ أنفه في مواضيع أكبر من وعيه، فيصبح كمن رقم رجله 42، ويلبس حذاءاً رقمه 45، فيسقط في زلات تعود بالضرر عليه قبل غيره، وتجعل المتلقين يصنفونه مع النوع الاول، كونَّه كالحمار لا يحمل أسفاراً، ولا أحجاراً، ولا ما يحزنون.
النوع الثالث، يضمُ مجموعة هامة من الكتاب الذين تتناسب كفاءتهم، ونزاهتهم، والتزامهم شكلاً ومضمونا مع إبداعاتهم، وهم يقدرون موضع الرجل قبل الخطو، ويقدمون المحتوى الملتزم بوعي ومسؤولية، وربما هؤلاء وحدهم من يرضى الله عز وجل عنهم، فيما لن يصبح النوعان الأول والثاني كُتاباً، إلا عندما تطيرُ الحمير!