في المرمى
لُغَةُ الأَرقام
فايز نصّار
أُسدلت الستائرُ على أولمبيادِ باريسِ المُثير، واطفئت الأَنوارُ الأولمبيّة في عاصمةِ الأَنوارِ، لتَتَسلمَ شَقيقتها الأمريكيّة لوس أنجلوس المِشعل، إيذاناً ببدءِ أربعِ سنواتٍ منَ التَحضيرِ لأولمبيادِ 2028، الذي تَستضيفُهُ المدينةُ للمرةِ الثالثةِ في تاريخِها، تماماً مثلَ باريس!
بسرعةٍ سينسى الجميعُ كلَّ ما خالطَ الأولمبياد الفَرنسيّ من مَكارِه وسُرور، لتحتفظَ الذاكرةُ بأسماءِ فرسانِ السباقات، الذين كانَ لهم قَصَبُ السبقِ في حِكايةِ الأَسرعِ، والأَقوى، والأَعلى، مع التركيزِ أكثر على من طُوقت أَعناقُهم ب 329 ميداليةٍ ذهبيةٍ، وبشكلٍ أقلٍ على من نالوا مثلَ هذا العدد من الِفضيات، مع إطلالةٍ تَرضيةٍ على من فازوا بالميدالياتِ النُحاسيّة، وعددهم يزيدُ قليلاً، لعدمِ وجودِ نزالٍ على المركزِ الثالثِ في بعضِ الرِياضات.
وحظيت 63 دولة بنصيبٍ من ذهب باريس، نالت 22 منها ذهبية واحدة، ونالت 12 ذهبيتين، فيما نالت تسعُ دولٍ ثلاثَ ذَهبيات، ونالت أربعُ دولِ أربعَ ذهبيات.
وكان نصيبُ الأسدِ من الأصفرِ الباريسيّ اللمّاعِ لقُطبي الاقتصادِ العالميّ الولايات المتحدة والصين، بجمعهما 80 ذهبية، بما يقتربُ من ربعِ الحصيلةِ الاجمالية، فيما يصل العدد إلى 100 ذهبية، بإضافةِ صاحبةِ المركزِ الثالثِ اليابان، لترتفعَ النسبة إلى 32،9% للدولِ الثلاث.
وحصلت الدولُ العشر الأَوائل في التَرتيبِ على 210 ذهبية، بنسبةٍ تصلُ إلى 69% من مجموعِ الذهبياتِ الباريسيّة، وبين هذه الدول خمسُ دولٍ أوروبيّة، وثلاثُ دولٍ آسيوية، والولايات المتحدة، وأستراليا.
تقولُ الأرقامُ: إنّ عشرَ دولٍ فازت ب 210 ذَهبيات، تاركةً ل 196 دولة 119 ذهبية، منها 38 ذهبية لأصحابِ المراكزِ من 11 إلى 15 في الترتيب، و57 ذهبية لأصحابِ المراكزِ من 10 إلى عشرين، أيّ أنّ 186 دولة فازت ب62 ميدالية ذهبية فقط.
في عالمِ السياسةِ والإعلام، المركوب من جهاتٍ لا تَهمُها مصلحةَ الشُعوب، وحدها الأرقامُ تَحكي الحَقيقَّة، رغمَ أنّ في الكواليسِ أشياءَ كَثيرة، سنعرفُها يوماً ضمنَ الأسرارِ المَيِّتَةِ، التي قد تُخرجُها لنا الجِهاتُ المُميتَة، التي تلاعبت بشيءٍ من ذهبِ الأولمبيادِ تحتَ الطاولة، قد يَكشفُ لنا التاريخُ كواليسَ الضغطِ الأمنيِّ على الجزائريِّ جمال سجاتي ليلةَ السباق، الذي كانَ مرشحاً لِذَهَبِيتِهِ، تماماً كما كشفَ لنا شوماخر يوماً سِرَّ الصَفقةِ النَمساويّةِ الأَلمانيّةِ الرّخيصةِ في مونديالِ إِسبانيا.
وقد يكشفُ لنا التاريخُ بعضاً من أسبابِ الاصرارِ على استبعادِ رِياضيي روسيا وبيلاروسا، ممن لا ذنبَ لَهم في قرارِ شنِّ الحربِ على أوكرانيا، وستعرفُ يوماً يا ولدي قِصةَ اتحادِ المُلاكمةِ، وفَسادِ رئيسِهِ عمر الروسيّ، وخفايا رفضِ المُولي باخ لمُساءلةِ مُرتكبي الإِبادةِ في غَزَّة، وستعرِفُ الكثيرَ عن حَربِ فرنسا على المَناديل، ومن كانَ وراءَ الإساءةِ للأديانِ في حَفلِ الافتتاحِ المثيرِ للجدل.
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً... ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـزَوِّدِ.