سبع من غزّة

في المرمى
سبع من غزّة
فايز نصّار- القدس الرياضي
يتوافق الرياضيون الفلسطينيون على ألمعيّة النجم الغزّيّ- الذي ترجل في القاهرة- اسماعيل المصريّ، ويجمعون على بصماته الخالدة في الملاعب بين النكبة والنكسة، وبين النكسة والاستقلال، وخلال الانتفاضتين، حتى أرغمه العدوان الأخير على المغادرة إلى القاهرة لاستكمال العلاج.
سنة 1943 زغردت الغزّيّات لقدوم سمعة، الذي ولد مع توأمه "كرة القدم" التي عشقها يانعاً، وقضى عمره في ميادينها، ولفظ أنفاسه التي فيها شيء من آثارها، وترجل تاركاً جيشاً من المحبين، الذين يشهدون على فراسته الكرويّة، وشخصيته القيادية، وإنجازاته الكبيرة، لاعباً ومدرباً وإدارياً.
يجمع من تصفحوا دفتر أيام ملاعب الزمن الجميل كون " أبو السباع" من طلائع كوادر الحركة الرياضية الفلسطينية، الذين عاصروا مراحل تطورها منذ منتصف الخمسينات، عندما اكتشفت غزة موهوبا، غذّيت موهبته بالإرادة، واهتزت الملاعب تحت أقدامه بالعزيمة، حين تألق في مركز قلب الدفاع، مع كبير الكرة الغزّيّة الرياضي قبل وبعد عدوان 1967 .
ولمّا عضّت الحرب بنابها ما تبقى من الوطن الجريح سنة 67، حمل السبعُ مواهبه إلى العاصمة، ليلعب خمس سنوات في نادي سلوان إلى جانب خيرة نجوم فلسطين، وفي مقدمتهم مهندس الكرة الفلسطينيّة عارف عوفي، قبل أن يعود إلى معشوقته غزّة، ويساهم في انطلاق الحراك الرياضي، في ناديه الأم غزة الرياضي.
قبل ذلك كان أبو ياسين جندياًّ في صفوف فدائي الستينات، وشارك في بطولات دولية في بغداد، والقاهرة، وكمبوديا، مؤكداً لهذا العالم، أن على هذه الملاعب شعب فلسطيني يحب الحياة، وأنّ أبناء فلسطين قادرون على رفع التحدي، عندما تتاح لهم الفرص .
في كتاب المرحوم عدة محطات تدريبية، خلّدتها الذاكرة مع أندية غزة الرياضي، والأهلي الغزيّ، واتحاد الشجاعيّة، وفلسطين، ومنها تفرغه بعد قيام السلطة الفلسطينية لخدمة المنتخبات الفلسطينية، كمدير فنيّ حيناً، وكمدير إداري في أحايين كثيرة، مساهماً في نهوض الفدائي في الميادين الدوليّة، ومشاركاً في رسم الملامح الأولى لفدائي الكرة، الذي شقّ طريقه بصعوبة في الملاعب، وحقق إنجازات هامة، في مقدمتها برونزيّة عمّان سنة 1999.
وعاود الحنين المرحوم إلى العاصمة، فجاءها أكثر من مرة مريضاً يتعالج في مشافيها، لتتحول زياراته الحميميّة إلى مهرجانات كرويّة استحضرت ذكريات الملاعب في سلوان، وحمّى التنافس بين أندية غزّة والضفة في السبعينات الثمانيات، ليغادر رحمه الله القدس مكللاً بتيجان الوفاء من رفاقه الباقين على عهد الملاعب.
كان لقائي الأخير بأبي ياسين في مشفى المقاصد المقدسي قبل أربع سنوات، ويومها سعدت لأنّ البسمة لم تفارقه، ولأنّ روحه المرحة- التي لا تفقد الأمل- لم تفارقه، ولمحت بأنّه حملها معه في رحلة العلاج الأخيرة في القاهرة، من خلال تواصلي معه عبر الهاتف.