ورحل البشير الحيفاويّ
في المرمى
ورحل البشير الحيفاويّ
فايز نصّار- القدس الرياضي
ما زال الدكتور الصفديّ منصور الحاج سعيد، الذي ولد من رحم النكبة الأليمة، يحلم بمربع فلسطيني يدفن فيه جثمانه، متمنياً أن يكتب له الله استنشاق أكسجين الوطن قبل ذلك، الأمر الذي يتمناه كلّ فلسطيني محروم من العودة للوطن، ومنهم نجوم الكرة الفلسطينية، الذين نثروا سحر الكرة الفلسطينية في ملاعب العالم منذ النكبة القاسية، كما فعل النجمان جبرا الزرقا، وجورج مارديني بين حيفا ويافا! قبل تحقيق ذلك، يرحل نجومنا في الغربة بصمت، كما حصل مع صاحب الرأس الذهبية فؤاد أبو غيدا، وهداف الكرامة الحمصي ونجم المنتخب زهير شلبي، وشيخ مدربينا في سوريا أحمد عليان، الذي غادر في دمشق، وفي نفسه شيء من حيفا التي غادرها طفلا.
في ليلة كانونيّة قاسيّة ترجل نجم فلسطين الحيفاويّ محمود فايز بشير، الذي لا يستطيع العارفون التفريق بين موهبته الشعريّة، وبراعته في حراسة المرمى، وهو الذي داعب الكرة في حيفا يانعاً قبل تشرده سنة 1948، وتجوله في ملاعب جنين، وبيت لحم، والقدس، وعمان، والكويت، وبيروت.
حرس المرحوم أبو فايز- الذي ترجل ليلة أمس الأول- مرمى منتخب النشامى في الستينات، مسجلاً بصمات كرويّة، لا تقل عنها بصماته الشعرية، التي أتحفنا بها، ومنها أبيات تتغنى بنجوم الكرة الفلسطينية، قال فيها: غَنِّي فْلِسطينُ العزيزةُ وافرَحِي ... مِنْ لاعِبيكِ فقدْ ملَكْتِ جوابَا ! جابُوا المَلاعِبَ واعْتَلَتْ راياتُهُمْ ...ومضَوْا يحُوزونَ الجَزاءَ ثَوابَا ! في سَعْيِهِمْ كانوا يغُذُّونَ الخُطَىٰ .... للفوْزِ دَوْماً شرَّعُوا الأبوابَا ! مِنْهُمْ مَنِ اختارَ المسيرةَ هاوِيا ... مِنْهُمْ مَنِ احْتَرَفَ المَسارَ وجابَا ! ملَكُوا قلوبَ النَّاسِ واحتَلُّوا الذُّرَىٰ .. برزُوا وكانَ حُضورُهُمْ جذَّابَا ! مرْحَىٰ لِمَنْ أَحيَىٰ الرياضةَ لاعِباً ...مرْحَىٰ لِمَنْ خَطَّ المديحَ كِتابَا ! من حقّ فلسطين أن تتغنى بصناع مجدها، وتزدهي بفرسان الرياضة والأدب، الذين رفعوا أسهمها في بلاد العرب والعجم، وكانوا مصدر فخار لشعبنا، الذي لا تزيده النكبات إلا تألقاً، كما حصل مع رفاق البشير الحيفاويين المرحوم أحمد عليان، وطويل العمر القائد مروان كنفاني، والثلاثة من مواليد حيفا سنة 1938، التي سميتها سنة عظماء الملاعب، فيما يصغرهم الحيفاويّ الرابع المرحوم فؤاد أبو غيدا بسنة.
رحم الله فقيد دواوين الشعر والملاعب محمود فايز بشير، الذي كانت له يومياته النضاليّة، من خلال مقطوعات شعريّة يوميّة، كان هاجسها الأول فلسطين، التي كانت في شريعته مصدر الجلال والجمال في هذه المعمورة.