باستيل الملاعب
في المَرمى
باستيل الملاعب
فايز نصّار- القدس الرياضي
رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي أحسن توصيف الدمّ المهدور في دمشق من قبل فرنسا، بقوله: دمُ الثوارِ تعرفُهُ (فرنسا)... وتَعْلَمُ أَنّهُ نُورٌ وحَقُّ! معبراً عن سخطه على ما ترتكبه من فظائع في سوريا: وللمستعمريـن - وإِن ألانوا-... قلوبٌ كالحجارِة لا تَرِقُّ! لم يحفظ أحفاد من هدموا الباستيل الوَديعة، ولم يحافظوا على مُثل" الحريّة والاخاء والمساواة، وعادوا لعهدهم القديم في دعم من يرتكبون مذابح، تكمل مسلسل المجازر التي ارتكبتها فرنسا في مستعمراتها، ومنها الجزائر، التي لقَّنت الديغوليين دروس الصمود والتحدي.
تجاهر فرنسا هذه بعدم الحياد حيال حرب الإبادة، التي أصابها شيء من تبعاتها بالاعتداء على مواطنين فرنسيين في القدس، وسبح حكام الاليزيه ضد التيار بالإصرار على استضافة مباراة تحصيل حاصل مع منتخب معظم لاعبيه شاركوا في حرب الإبادة، وكلّ مشجعيه يتباهون بقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، وتدمير الملاعب، والمساجد، والكنائس، والمدارس. أصّرت "سوزان" التي طالما صبغت من دمّ المستضعفين ثغرها– كما وصفها شاعرنا درويش- على لعب المباراة، معتبرة الأمر مناهضة لما تسميه" معاداة الساميّة:" فحوّلت ستاد دو فرانس- الذي بني قبل مونديال 1998 ليكون واجهة عاصمة النور والجمال للعالم- إلى قلعة أمنيّة ذكرت الفرنسيين بأيام أجدادهم، الذين هبّوا تلبية لشعارات الحرية، والاخاء، والمساواة، وهدموا الباستيل، الذي كان رمزا للعبوديّة.
أكثر من ذلك، فإنّ فرنسا وأخواتها ممن صدعوا آذاننا برفض الخلط بين السياسة والرياضة أصرّ رئيسها ماكرون، ومعهم سابقيه هولاند وساركوزي على حضور المباراة، كدعم لوجستي غير مفهوم، في مواجهة من رفعوا شعار "الحرية لفلسطين" و" لا للإبادة" وكأن بالرؤساء الثلاثة يقولون: الواحد منا بعشرين ألف، ظانين أنّهم يعوضوا فراغ ستاد فرنسا الكبير، الذي يتسع لما يقرب من 80 ألفاً، ولم يحضره فيه إلا 16661 متفرجاً.
كرمال عيون المدللة إسرائيل حولت فرنسا ستادها الحضاريّ إلى مربّع أمنيّ، حرسه ما يقرب من 4000 شرطي ودركي، يضافون إلى رجال الأمن السريين وأعضاء لجان النظام، بما قد يرفع العدد إلى ستة آلاف، بمعدل يصل إلى رجل أمن لكل ثلاثة مشجعين.
اختصرت صحيفة "ليكيب" المشهد، بقولها: "لا يوجد أحد... الأمر محزن للغاية.. إنّه مشهد غير مسبوق في فترة خارج سياق جائحة الكوفيد"، حيث كشفت المقاطعة الجماهيريّة للمباراة هشاشة مناصرة فرنسا للعدوان، لأنّ السيد ماكرون، الذي كان بين ما يقرب من 90 ألف متفرج في دوحة العرب، يشاهد مباراة للديكة لم ينس صدمته من أبن الخضراء، الذي جاب الملعب ملوّحاً براية الفدائيين، ولم يهضم يومها هدير العرب وغير العرب ممن هتفوا لفلسطين، فأراد استرضاء اللويبي الصهيوني، الذي يتغلغل بماله ونفوذه في ثنايا الاليزيه.
كان يمكن لفرنسا أن تحذو حذو بلجيكا، التي تهربت من الاحراج، بترك الأمر للبلديات، التي رفضت استقبال منتخب إسرائيل، وكفى الله البلجيك شرّ هذا الفشل الفرنسيّ الكبير.