نجم الكرة الفلسطينية أبو خديجة يعانق الحرية... ويتحضر للعودة إلى عالم الساحرة المستديرة
من منصة التتويج إلى أقبية التحقيق...!!
نجم الكرة الفلسطينية أبو خديجة يعانق الحرية... ويتحضر للعودة إلى عالم الساحرة المستديرة
البيرة- دائرة الإعلام بالاتحاد/
لم يترك الاحتلال الإسرائيلي شكلاً من أشكال العدوان إلا وشنه، ولا انتهاكاً إلا ومارسه بحق الرياضة الفلسطينية، بكوادرها ورياضييها وملاعبها وبناها، فالشواهد كثيرة، والآثار ما تزال تتكشف حول أعظم كارثة بحق الرياضة رآها العالم، والتي تأتي امتداداً لعدوان طويل لأكثر من سبعة عقود ونصف على أبشع احتلال عرفه التاريخ.
وما بين طيات العذابات والآلام، تخرج شواهد حية من قلب الظلمة، وآخرها كان نجم كرة القدم الفلسطيني أحمد أبو خديجة، لاعب منتخبنا الوطني سابقا، وفريق جبل المكبر المقدسي، الذي خرج من غياهب السجن يوم الخميس 31/10/2024، بعد أن قضى داخلها عشرين شهراً، وبالتحديد منذ الثاني من آذار/مارس 2023.
من منصة التتويج بدوري المحترفين موسم 22/23، إلى أقبية زنازين الاحتلال المظلمة الظالمة.
ساعات قليلة هي كل ما فصل أبو خديجة بين الفرحة وأشهر العذاب الطويلة، التي شكّلت منعطفاً في حياته، وتركت أثراً على جسده وفي نفسه وذاكرته، يرويها لنا أبو خديجة بلسانه، في حديث لموقع "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم".
بطل الدوري...
من منصة التتويج إلى أقبية التحقيق
كان مساء يوم الأربعاء الأول من آذار 2023، يوماً كبيراً للاعبي وجماهير فريق جبل المكبر المقدسي، وذلك بعد نجاحهم بتحقيق لقب دوري المحترفين للمرة الأولى في تاريخهم، بعد انتصار كبير على ضيفهم ترجي وادي النيص بخمسة أهداف لهدفين، ليعتلي لاعبو نسور الجبل منصة التتويج ومن بينهم نجم وسط الفريق أحمد أبو خديجة، ولتبدأ معها أفراح الجماهير العاشقة.
تلك الأفراح لم تدم طويلاً، بعد أن نغصها الاحتلال باعتقال أبو خديجة في الساعات الأولى من اليوم التالي، بينما كان متواجداً رفقة أصدقائه الذين أرادوا الاحتفال معه بهذا الإنجاز، وقامت وحدة خاصة تابعة لجيش الاحتلال بالهجوم على السيارة التي كان يتواجد بها، وكسروا زجاجها واعتقلوه، وتم اقتياده إلى معسكر بيت إيل العسكري.
يقول أبو خديجة إن عملية اعتقاله استمرت منذ الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، وحتى الساعة الخامسة عصراً، قبل نقله إلى معتقل عوفر غرب مدينة رام الله.
ظروف الاعتقال
ظروف اعتقال صعبة مرّ خلالها أبو خديجة بمراحل مختلفة، بدءا من مرحلة التحقيق والتي استمرت شهرين كاملين، حيث وضع في السجن الانفرادي داخل زنزانة صغيرة وضيقة، وكان يتم اقتياده إلى غرف التحقيق مقيداً، ويقضي داخلها ساعات طويلة من الاستجواب، وصلت في بعض الأيام إلى نحو عشرين ساعة من التحقيق خلال اليوم الواحد.
ظروف صعبة تعرض لها أحمد، منها سوء الطعام الذي كان يحصل عليه بكميات قليلة، إضافة إلى عدم مقابلة أي شخص حتى من ضمن الأسرى، وانقطاع تام عن العالم. بعد انتهاء التحقيق الطويل، انتقل أبو خديجة للأقسام داخل السجن.
ورغم وحشة الأسر والاشتياق الكبير للأهل والأصدقاء ولكرة القدم ولشعور الحرية والأمان، إلا أن الظروف كانت مقبولة إلى حد ما بالنسبة إلى سجن، كما يصفها أبو خديجة. وتابع: "كنا نتمكن من التواصل مع الأهل بشكل مستمر، ومتابعة الأخبار وما يجري خارج السجن".
ساءت الأمور بشكل كبير داخل السجون بعد مرور ستة أشهر على اعتقال أبو خديجة، وعلى وجه التحديد منذ السابع من أكتوبر 2023، وتعرض الأسرى خلالها إلى كل أشكال التنكيل والتضييق والعزلة.
وعن تلك الفترة يقول أبو خديجة: "هذه الفترة كانت الأسوأ على الإطلاق، وكانت الغرف مكتظة بالأسرى، حيث وصل عددهم من 10 إلى 12 أسيراً في الغرفة الواحدة التي كانت بالكاد تتسع لستة أسرى، ناهيك عن الانقطاع عن العالم سوى من خلال الأخبار التي كانت تصلنا من المحامين حينما كان يسمح لهم بزيارتنا في بعض الأحيان، فضلاً عن البرد والجوع الشديدين الذين كنا نشعر بهما".
وأضاف: "عانينا من شح الطعام بشكل كبير، ولم نكن نستطيع تحمل سوء جودة الطعام، وهو ما جعلني أفقد من وزني قرابة 14 كيلو غراما في فترة وجيزة، وبات من الصعب بالنسبة لي ممارسة الرياضة حينها، وانقطعت عنها بعدما كنت أواظب عليها للحفاظ على لياقتي وقوتي قدر الإمكان، من أجل العودة إلى النشاط الرياضي بأسرع وقت بعد خروجي من السجن، خصوصاً وأنني فقدت جزءاً كبيراً من كتلتي العضلية".
هذا الواقع دفع أحمد ورفاقه الأسرى للاضطرار إلى تناول الطعام الفاسد أحياناً، من أجل سد جوعهم، بفعل انعدام أي مصدر للحصول على طعام آخر.
مرارة الفقد داخل الأسر صدمة كبيرة، وألم آخر ألمّ بأبو خديجة، ومعاناة أخرى تمثلت بوفاة والده وهو داخل الأسر، فلم يستطع أن يكون إلى جانب والده في أيامه الأخيرة، ولم يتمكن من التواصل مع والدته وإخوته بعد أن تلقى ذلك الخبر الصاعق.
يقول أحمد: "تلقيت الخبر بعد عشرة أيام من وفاة والدي من خلال أحد المحامين، فلم يكن هناك وسيلة لمعرفة الأخبار سوى عن طريقهم، وعندما سمعت الخبر صدمت ولم يستطع عقلي استيعاب الأمر لبضع ثوانٍ، والصادم هو أن والدي كان يتمتع بصحة جيدة، ولم يكن يخطر في ذهني أن أفقده وأنا داخل الأسر، لكنني سرعان ما تداركت حزني وقلت "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وألهمني الله الصبر على هذا الابتلاء العظيم".
كرة القدم... شغف لم يتوقف على الرغم من توقف نشاط أبو خديجة الكروي قسراً، إلا أن الشغف والاهتمام لم يتوقف أبداً، فمتابعته لأحداث الدوري ونشرات الأخبار الرياضية وبعض المباريات ظل مستمراً حتى السابع من أكتوبر، من خلال التواصل مع الأصدقاء وأبناء الأسرة الرياضية، ومتابعة القنوات التي تنقل أخبار الدوري والأنشطة الرياضية الفلسطينية، فبعد ذلك التاريخ صادرت إدارة سجون الاحتلال كل وسائل الاتصال ومنها الراديو والتلفزيون.
وأشار إلى أنه تمكن من مشاهدة نهائي بطولة القدس والكرامة الذي جمع بين جبل المكبر ونادي الوحدات الأردني، من خلال التواصل مع القائمين على إحدى القنوات لبث المباراة، كما علم بظفر فريقه بلقب كأس الشهيد أبو عمّار على حساب شباب الخليل.
وتابع: "كنت أنتظر نشرة الأخبار الرياضية يومياً، من أجل معرفة كل أخبار الدوري وأخبار الرياضة الفلسطينية".
وأردف: "بعد السابع من أكتوبر منعنا من كل وسائل الاتصال، وأصبحت أنتظر أي شخص يدخل السجن لأسأله عن أخبار المنتخب الوطني، واحتفلت داخل السجن عندما علمت أن منتخبنا الوطني بلغ دور الستة عشر من كأس آسيا الأخيرة، لأول مرة في تاريخه، لقد غمرتني الفرحة والفخر بهذا الإنجاز".
حفظ القرآن كاملاً لم يجد أبو خديجة طريقة لاستغلال الوقت الطويل داخل السجن أفضل من العودة لمراجعة القرآن الكريم والاستئناس به، وقال إنه علم بسماح إدارة السجون للأسرى بإمكانية الاحتفاظ بالقرآن، فبدأ بمراجعة ما يحفظه منه.
وأوضح أن هدفه لم يكن حفظ القرآن، لكنه وجد نفسه منغمساً في إعادة حفظ ما نسيه منه، لكنه لاقى تشجيعاً كبيراً من والده ووالدته، للبدء بحفظ كتاب الله كاملاً. وأضاف: "لقد كنت كلما فترت عزيمتي على إكمال الحفظ لقيت الدعم من والدي، ولطالما أخبرني أنه يريد أن أحفظ القرآن كاملاً لألبسه وأمي تاج الوقار".
وأكمل: "لقد تمكنت بفضل الله من حفظ القرآن كاملاً في غضون أحد عشر شهراً، وأتممت الحفظ في اليوم الأخير من شهر رمضان... لقد كان القرآن أنيساً لي في وحشة السجن، وأخذت عهداً على نفسي بعدم هجره أبداً".
العدوان وتوقف الرياضة
شهدت الرياضة الفلسطينية في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً على صعيد المنتخبات والأندية والمسابقات، وكانت المؤشرات كلها تظهر أن مزيداً من التطور قادم، وكان ذلك خلال الفترة التي أسر فيها أبو خديجة، أي قبل توقف النشاط الرياضي بفعل العدوان المستمر حتى اليوم.
ويرى أبو خديجة أن منتخبنا الوطني بات من المنتخبات القوية والتنافسية على مستوى قارة آسيا، وكذلك الحال بالنسبة لمستوى اللاعبين والأندية، لكن توقف النشاط الرياضي بفعل العدوان دمر كل شيء، وبات الوضع الآن بحاجة لوقت طويل وجهد كبير للعودة إلى ذلك المستوى.
وتابع: "عندما تنظر الآن فلا يوجد رياضة في فلسطين، حتى التنقل بين المدن صار صعباً، لكننا نأمل أن تنتهي الحرب بأسرع وقت ممكن، لتعود الحياة إلى طبيعتها، وتعود ملاعبنا لتعج بالحياة مجدداً، وتعود رياضتنا إلى تطورها السابق، رغم اعتقادي أنه من الصعب أن تعود بسهولة إلى سابق عهدها، فذلك يحتاج إلى وقت طويل وجهد عظيم".
وأضاف: "بهمة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والقائمين على الرياضة، وبهمة الأندية والرياضيين وروابط المشجعين، وتضافر الجهود واجتماعها، يمكننا النهوض مجدداً". تضامن كبير...
وفاء عظيم
وجّه أبو خديجة شكره لكوادر الوسط الرياضي من مدربين ولاعبين وإعلاميين وجماهير على تفاعلهم مع قضيته، والتضامن الكبير الذي وجده منهم هو وعائلته، مشيراً إلى حجم الوفاء الكبير والوقفة الأخوية التي استمرت لفترة طويلة، وكان لها أثر نفسي كبير عليه في محنته تلك. كما شكر إدارة نادي جبل المكبر وزملاءه بالفريق وجماهير النادي على وقفتها ودعمها المتواصل، وعلى إهدائهم للقب الدوري وكأس أبو عمار له، وتجديد الإدارة تعاقدها معه لموسم آخر رغم عدم معرفتهم بموعد الإفراج عنه، بالإضافة إلى التزامهم بدفع كافة مستحقات عقده حتى وهو في الأسر.
وتابع: "أشكر الجميع على وقفتهم معي من كل قلبي، لقد كانوا السند والداعم المستمر لي، ولا أنسى دعمهم لعائلتي أيضاً، ما خفف كثيراً عنهم". الاستعداد للمرحلة المقبلة يسعى صاحب الثامنة والعشرين ربيعاً إلى إعادة ترتيب أموره، والعمل بشكل جاد من أجل إعادة إحياء مسيرته الكروية، فتركيزه منصب الآن على استرجاع لياقته وقوته البدنية، والعودة إلى التدريب بأسرع وقت ممكن، وإعداد نفسه ليكون بجاهزية تامة، على أمل انتهاء العدوان وعودة النشاط الرياضي.
وأردف: "كرة القدم هي حياة بالنسبة لي، ولا يمكنني الاستغناء عنها، وسأبقى أمارس اللعبة بكل الطرق وفي كل وقت، حتى لو اضطررت إلى اللعب في الحارات أو الملاعب الصغيرة، سأبقى مستمر ولن أتوقف".
عن أحمد أبو خديجة انطلقت مسيرة أبو خديجة في عالم الساحرة المستديرة في الفئات السنية لفريق مؤسسة شباب البيرة، وأصبح قائد الفريق الأول لأكثر من موسم، قبل أن ينتقل للعب بصفوف فريق جبل المكبر، الذي توج معه بلقبي دوري المحترفين، وبطولة كأس الشهيد أبو عمّار. وشارك أبو خديجة مع الفدائي لأول مرة في بطولة بنغلادش الدولية (كأس بانغاباندو) كما تم استدعاؤه لعدد من المباريات الودية، ولا سيما في تشكيلة منتخب فلسطين للمحليين.