حكي جرايد
في المَرمى
حكي جرايد
فايز نصّار- المحرر الرياضي بصحيفة القدس
كان أحد الحكماء يحسم الرخصة في الكلام بالقول: إذا جالست الجهال فانصت إليهم، وإذا جالست العلماء، فانصت اليهم، فإنّ في إنصاتك للجهال زيادة في العلم، وفي إنصاتك للعلماء زيادة في الفهم!
في الكلام حثّ على التلقي وحسن الإنصات، ورحم الله الجاحظ، الذي طابنا بأن تكون آذاننا أكبر من ألسنتنا، دون أن ندري إن كان صاحب البخلاء قد حسب القراءة على فن الإنصات، بعدما تحولت العيون التي في طرفها حور، إلى عيون في طرفها حول!
لا غرو في أنّه أصبح للرياضة في علم القراءة نصيب، وتماماً كما أن الكتاب الرياضيين أنواع، فإن القراء أيضا أنواع ، فمنهم من يرتشف كلام الجرايد مع قهوة الصباح، متعجلاً زبدة الكلام، ومنهم من يتريث في أمر الصفحة الرياضية حتى المساء، للتمعن في أعمدتها ساعات الاسترخاء، فيما يفضل فريق ثالث قراءة "الساندويش" في عصر السرعة، فتراه يقضم ما تيسر من فنون الرياضة، فوق أعمدة الصحافة على قارعة الطريق، أو أمام إشارات المرور !
ولست أدري إن كان ما زال في شارعنا الرياضي من يمتهنون القراءة الرياضيّة، ويتعاطون فنون الكلام من باب الرياضة، والكلام رأسمال العرب الأول، لأنّهم أمة ذواقة، فهذا المطرب العراقي المعروف سعدون جابر، يفصل الأمر في حديث أجريته معه مطلع التسعينات، فيقدم الكلمة على اللحن، والأداء الغنائي، لأننا أمة تغني الكلام، قبل إخضاعه للحن، والترنم بأنغامه!
ورغم أن كثيراً من الرياضيين أصبحوا يستهينون بالكلام الموزون، الذي يحمل بطاقة هوية لمبدعيه، فيعرفون أصحابه من ديباجتهم، فنقول هذا أسلوب طحسنيّ، وذاك منهج مازنيّ- رغم ذلك- يختصر البعض كسلهم في التفاعل مع الكلام المباح، وعجزهم عن تقليب كُنه الكلمات بالقول: " حكي جرايد" فلماذا إذاً تصدر الصحف؟ ولماذا يتهافت الكتاب على التألق في حلباتها؟ ولماذا يستفتح المواطنون مشترياتهم اليومية بزيارة كشك الصحف؟
نعم هو "حكي جرايد"، ويستطيع الواحد منكم أن يمسح به زجاج سيارته الأماميّ، أو الخلفيّ إذا أردتم، ولكن هل تنكرون أن "حكي الجرايد" هذا أزال عروشاً، وغير وجه العالم بين الوترغيت والإيرانغيت؟ إنه حكي جرايد يحتاج الى أناس لمعاني الكلام فاهمين، ويحتاج الى قراء يتفاعلون مع الإبداع، لأن المُبدع، والمُتلقي، والنصّ ثلاثة عناصر مهمة لنجاح العمل الفنيّ، تماماً كما أن الموهبةّ واللياقة، والتكتيك عناصر مهمة للإنجاز الرياضيّ.
ولا يكتمل مربع الإنجاز إلا بالروح المعنويّة، لأن حرفاً من التشجيع قد يرفع معنويات كاتب رياضيّ، فيجعله يواصل التضحية، ويصبِر على تراجع بورصة كلامه، مهما كان الثمن، وأياً كانت التضحيات، فلنجبر خواطر كتابنا المهنيين، لأنّ جبر الخواطر من علامات الايمان!