امتحان الذهب
في المرمى
امتحان الذَهب
فايز نصّار
لا يقاسُ الذهبُ إلا بالذَهب، ولا يَحصلُ على الذهبِ إلا من مَعدنهُ من ذهبِ، والذهبُ ميدالياتٌ تُقلدُ بها أعناقُ المُبدِعينَ في البُطولاتِ، ويُشبَهُ بِهِ كلُّ ثَمين، وهل هناك أثمن من المَواهبِ، التي حَبانا بها اللهَ عزّوَجلَ، وأحَسنّا تَطويرَها وتَوظيفَها؟
ولا قيمةَ للمواهبَ، إن لم يُحسن المُكلفون صَقلَها، لأنَّ "التَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى في أَمَاكِنِهِ، والعودُ في أرضِهِ نوعً من الحَطَبِ" كما قالَ الإمامُ الغزّيُّ الشافعيّ رحمهُ اللهُ،
تبذلُ الدُولُ نِصفَ عُمرِها لجَلبِ الذهبِ الأولمبيّ، الذي يعكسُ رِفعةِ الدَولةِ على سُلمِ الإبداعِ الدوليّ، ولأنَّهُ بالنارِ يمتحنُ الذهب، أما آنَ لتلكَ الدُول أن تَفهمَ أنّ ذهبَ التَفوقِ، تَجلبُهُ المنافساتُ في ميادينِ المُنازلة، ولا يُشترى من عندِ الصاغة، وتُؤخذُ إبداعاتُهُ من معسكراتِ الإبداعِ المِهنيّ، التي تُساهمُ في اكتشافِ المَواهبِ وتَطويرِها.
وبلا شكٍّ فإنَّ المَركزين الأَول والثاني مَحجوزان للولاياتِ المُتحدة، والصينِ الشعبيّة، وكِلاهما يَعتمدُ على قُدراتِهِ الماليّةِ، وطاقاتِهِ الشَبابيّة، مع فارقِ أنّ الولاياتِ المُتحدة تعتمدُ على أبنائِها، الذين يُشكلونَ توليفةً مهنيّةً مع المُبدعين الوافدين، فيما يُعتبرُ الذهبُ الصينيُّ صينيّاً خالصاً.
وفي غيابِ القُوةِ الثالثةِ روسيا، وبعيداً عن الدَولتين، تَسعى مجموعةٌ من عشرِ دُولٍ أو أقل لاحتلالِ المراكز من الثالثِ إلى العاشر، وعلى رأسِ هذهِ الدُول استراليا، واليابان، وفرنسا، وبريطانيا، وكوريا الجنوبية، وهولندا، والمانيا، وايطاليا، وكندا، فيما تبتعدُ بقيةُ الدولِ عنها بشكلٍ كبيرٍ.
ورغم أنَّ بعضَ هذهِ الدُول تهتمُ بلعبةِ المَلايين كرة القدم، إلا أنّ ذلكَ لم يَمنعَها من تَوسيعِ اهتمامِها الرياضيِّ أُفقيا، ليشملَ ما يتناسبُ مع قُدراتِها من رياضات، فيما تُركزُ البَرازيل والأَرجنتين جُهودَهُما عَمودياً، وتُبالغان في الاهتمامِ بالجِلدِ المنفوخِ على حسابِ الرياضاتِ الأُخرى.
لن أتحدثَ هنا عن كينيا واثيوبيا، اللتين بَرَعَتا في السِباقاتِ الطَويلةِ، والمتوسطةِ أَحيانا، مُستغلينَ امكانياتِهما الطَبيعة، وقلةَ تَكلفَةِ إنتاجِ أبطالِ هذهِ الرِياضة، وأُفضلُ الحديثَ عن أوزبكستان، التي جَمعت ثماني ذهبيات، خمس منها في الملاكمة.
كَثُرَ الحديثُ في ليالي باريس عن المُلاكمة، لصراعٍ غيرِ مفهومٍ بين اللجنةِ الأولمبيّةِ الدوليّةِ، والاتحادِ الدَوليِّ للعبة، وما سُجِلَ من مخالفاتٍ لرئيسِ الاتحادِ الدوليّ، الروسيّ عمر كريمليف ، الذي اخترعَ قوانينَ على مقاسِ ملاكمةِ بَلدِه أزاليا أمينيفا.
المهم أنّ الأولمبيّةَ الدوليّةَ انتصرت للحقّ، وأنَّ اوزبكستان طَبخت على نارِ الملاكمةِ الهادئة، وباغتت الجميعَ بالفوزِ بخمسِ ذهبياتٍ من الثَماني المُخصصة للرجال، ساحبةً البِساطَ من تحتِ أقدامِ أبطالِ اللعبة، الكوبيين والأمريكيين، وفارضةً واقعاً جديداً للعبة، في بلادٍ عرفت كيف" تَقيس قبلَ أن تَغيص" .
ليس مهماً أن يُقال: بأنّ دَولتنا شاركت بعددٍ كبيرٍ من الرِياضيين، فالأهمُ مدى فاعليةِ المُشاركةِ، وما يعودُ به أبطالُنا من الذَهبِ النَفيس، ولكم في بلادِ التنينِ ألفَ عبرة، فقد احتفلت بميداليتِها الذَهبيّة رقم 300، رغم أنّها بدأت المُشاركة قبلَ أربعينَ سنةً، فيما بدأ العَربُ المُشاركة قبل 112 سنة، وفي رَصيدنا 29 ذهبية فقط، معظمُها بإبداعاتٍ فرديّةٍ، وبعضُها لمُجَنسين!