دم الثوار تعرفه فرنسا
في المرمى
دمُّ الثوارِ تعرفُهُ فرنسا
فايز نصّار
لم يَشُك من يعرفونّ خّفايا الرياضة الدّوليّة في قُدرةِ فَرنسا على تقديم افتتاحٍ مذهِلٍ للأولمبياد، الذي تستضيفهُ في الذكرى المئويّة لِتَنظيمِها أولمبياد 1924، عندما كانَ العالمُ يغسل يَدَيّهِ من آثارِ دماءِ الكونيّةِ الأولى.
بلا شكّ، فإنّ الفرنسيين حَضَّروا جيداً لحَفلِ الافتتاح، الذي بّدا كاملَ الأوصاف، وظهرت في مشاهدِهِ لمساتُ الإبداعِ الفَرنسيّ، الذي استفادَ من تغييرِ الأَجواءِ الاحتفاليّةِ من مضاميرِ الملاعب، إلى مجرى نهرِ السين.
ولم تُؤثر أمطارُ الصيف، التي تهاطلت في مختلفِ مواقعِ الحفلِ على الفقرات، كما لم يُؤثر العَملُ التخريبيّ، الذي عرقلَ برامجَ القطارِ السريع، على الكرنفالِ الافتتاحيّ، الذي حَسبَ المنظمون حسابَ كلِّ جُزئياتِهِ، وَوَضعوا الخِططَ البديلةَ، للتعاملِ مع أيّ طارئ .
في المقابل، لاحظَ الجميعُ المبالغةَ في الإجراءاتِ الأمنيَة، التي حَولت محيطَ الفعالياتِ إلى ثكنةٍ عسكريّةٍ، بما أَثَّر على المشهدِ الرياضيّ السلميّ للألعابِ الأولمبيّة.. والأمر مفهوم، لأنّ المدللةَ إسرائيل قلقةٌ من تهديداتٍ مفترضةٍ لرياضييها، كما صرحَ مسؤولوها، مما وصفوه ب "تهديداتٍ إرهابيةٍ محتملة" قد تطولُ رياضييهم خلالَ الألعابِ الأولمبيّة، كما جاءَ في رسالةٍ وجّهوها إلى الحكومة الفرنسية.
وتبدو المخاوفَ الإسرائيلية مفهومة، لأنّ من يبتلع التِبن يخشى النار، بما يجعلُ المحتلينَ يخشونَ على جنودهم، الذين شاركوا في حربِ غزة، وذهبوا إلى باريس، بعد استبدال الزيّ العسكريّ بالزيّ الرياضيّ، وبالتالي سيخشون من رَداتِ فعلِ الغاضبين، بالهتافِ ضد العدوان، وبرفعِ علمِ فلسطين، وكوفيةِ أبي عمار في أماكن تواجدهم.
بلا شكّ، فإنّ فرنسا تعرفُ دمَّ الثوار، الذي قرأنا عن بطولاتِهِ في محيطِ الباستيل، وواجهته فرنسا نفسها بكلّ قسوة، آبّانَ احتلال الجزائر.
كان من الممكن أن تنظمَ الجَملية "سوزانُ" - التي طالما صبغت من دماءِ المستعمراتِ ثغرَها – الدورةَ بربع ما تستخدمُهُ من رجالِ الأَمن، لو قبلت التزام مبادئ المُثلِ الأولمبيّة، وعملت على إبعادِ مصدر الشرّ عن دورتِها، كما حصلَ مع روسيا.
ولكنّ فرنسا، التي اعجبنا بافتتاحها، كما اعجبنا ببؤساء هيجو أدارت ظهرها للحقيقة، وتنكرت لعذابات الفلسطينيين، التي لا تقل عن معاناة الاوكرانيين.
تمتزج فرحة الخيرين بالافتتاحِ العظيمِ بذكرياتٍ أليمةِ لفرنسا، التي وصلتها رسالةٌ واضحةٌ، دوّنتها الورود، التي ألقاها الرياضيون الجزائريون في نهر السين، ترحماً على شهداءِ الجزائر، ممن القت فرنسا بهم في هذا النهر سنة 1961، فمتى يفهم أحفاد الاستعمار القديم أنّ العالم تغير؟