الريال وزيزو لا يتعلمان،، والخسارة "ضارة-نافعة" لا تجتمعان!!
كتب-سمير كنعان
تسابق العالم الرياضي كله في مدح زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد الأسباني، بعدما حطم الرقم السابق لغريمه برشلونة بعدم الخسارة ل40 مباراة متتالية على مدار 9 شهور بلا هزيمة، حين أطاح بإشبيلية من الكأس بتعادل مثير جداً في الأندلس بعد تأخره 3/1 سجل له راموس وبنزيما هدفيْن بآخر دقائق المباراة ليتعادل بالثلاثة، ليدخل زيزو التاريخ بقوة وجدارة، ولكنّ بعض المشككين –وكنتُ منهم- يعزو ذلك إلى الحظ المرافق لكتيبة زيزو في أغلب وأحلك المواقف التي تعرضوا لها، خاصة ليلة السوبر الأوروبي أمام إشبيلية نفسه بطل اليوروليغ، وليلة الكلاسيكو الدراماتيكي بهدف التعادل من راموس بآخر هجمة في الكامب نو، ويكون زيدان أول مدرب لا يخسر في زيارتيْن متتاليتيْن للمقبرة الكتالونية، ثم النجاة من فخ الديبور بهدف راموس أيضاً وبالتخصص في آخر أنفاس اللقاء، وقبلها كان الفوز على لشبونة بهدفيْن في الوقت البديل بعدما تأخر بهدف، وغيرها من المواقف التي يذكرها عشاق وكارهي الميرينغي على حدٍ سواء.
لكنّ الحق يقال بأن زيزو قدم أسلوباً ناجحاً من ناحية المداورة وعدم الوقوف على لاعب واحدٍ يحطمُ غيابه كل شيءٍ، كما كان الحال مع سابقيْه كارليتو آنشيلوتي ورافا بينتيز حين أصيب مودريتش وكاسيميرو والقطار الويلزي بيل، فأثبت زيدان أن الفريق مجموعة وليس نجماً واحداً وبالدليل والأرقام فإن كلا لاعبي الريال سجلوا أهدافاً باستثناء كوينتراو والحارسيْن نافاس وكاسيا، وتألق عناصر الشباب فاسكيز وموراتا وآسينسيو وحتى دياز،
كل ذلك يشفع لزيدان أنه يتطور تدريبياً والأهم نتائجه التي خدمته ليكون بين صفحات التاريخ.
إلا أنّه وبطريقة عجيبة مازال يصرّ على بعض الأخطاء وكأنه مبتدئ في أكاديمية تدريبية، أهمها عدم الاهتمام بعامل الزمن في إدارة المباريات ولا ينتبه إلى فوات الأوان في تبديلاته، والأخيرة هي أهم عيوبه من وجهة نظري الشخصية فتبديلات زيزو أحياناً تكون بلا معنى ولا فائدة، وأحياناً بعد ضياع الفرصة، وأحياناً وهنا المصيبة أنها لا تأتي أصلاً ؟؟!!
زيزو في أكثر من مباراة لا يستخدم تبديلاته الضرورية حسب معطيات اللقاء، فتجد مباراة دورتموند مثلاً التي فرط فيها بالفوز وتلقى هدف التعادل بآخر اللحظات في سيناريو مطابق لمباراة الذهاب وبنفس النتيجة 2-2، فلمْ يستخدم تبديلاته المتاحة والمطلوبة وهو يراقب إرهاق بعض اللاعبين وتدني طاقتهم في الملعب، وآخرين لم يكونوا أصلاً في الموعد على قدر الحدث، وكررها في أكثر من مرة كان آخرها سقوطه المخيب في الأندلس أمام إشبيلية في الدوري بنفس الكأس الذي أذاقه للجميع بعدما تقدم كريستيانو بالهدف الأول، لدغهم إشبيلية في آخر لحظات المباراة بهدفيْن صادميْن حتى للأندلسيين أنفسهم فقتلوا فرحة المدريديستا بالرقم القياسي وقفزوا للوصافة خلف الريال تاركين البرشا ثالثاً، زيدان في هذه الهزيمة يتحمل المسئولية ليس فقط لأن مدافعه المخضرم سجل في مرماه ثم غفلة حارسه وسوء التوقع والتمركز سبب الخسارة بالهدف الثاني، بل يتحملها لعدة أسباب أهمها:
(1) لأنه ترك زمام الأمور لإشبيلية وهو يعلم خطورتهم وضعف دفاعه، ويرى جيداً أن لاعبيه في أهم خطوطه بالوسط نالهم الإرهاق، ويرى بأن مهاجميْه كريستيانو وبنزيما غير مؤثريْن والأخير بالذات نقطة سوداء في ملف زيدان بانحيازه الشديد له وتمسكه به رغم تألق موراتا وإنقاذه الفريق بأكثر من محنة، وظهور ماريانو دياز بشكلٍ مقنع وأداء قوي وقتالية عالية بعنفوان الشباب، لكن زيدان لم يجْرِ تبديلاته إلا بإشراك كوفاسيتش مكان كروس المنهك، وبقيَ له خياران فضّل تخزينهما لا يدري أحدٌ لماذا وإلى متى؟؟
(2) كان عليه أن يعلم جيداً خاصة بخبرته مع آنشيلوتي وسنين احترافه باليوفي الإيطالي أنّ الدفاع المحكم خير وسيلة للفوز، وأنّ الهجوم خير وسيلة للدفاع، وأن الدفاع يبدأ من الهجوم برأس الحربة الذي يخيف دفاع الخصوم من التجرؤ على الصعود للمشاركة في الضغط وصنع اللعب، وبأكثر من لقطة أتيحت لثنائي الهجوم بنزيما وكريستيانو وتاهت منهما الكرة، كان ممكناً ترجمتها لأهداف لو تواجد بديل لهما إما موراتا أو دياز.
(3) زيزو تفلسف في وقتٍ خاطئ بالتشكيل الغريب على لاعبيه، فلم يلعب الريال بطريقة 3-5-2 التي يتقنها الطليان مثلاً لقوة ثلاثي الدفاع عادةً ومساندة خط الوسط لهم في قطع الكرات والتغطية وعدم ترك المساحات للخصوم للتمرير المريح أو التسديد، كما حصل في تسديدة يوفيتيتش التي أطاحت بالريال، والسبب أنه أراد كسب معركة الوسط وقتل اللعب مما يبرهن أنه أتى للدفاع والتعادل إلا بضربة حظ مثل سابقاتها.
(4) حتى لو أجرى زيزو تبديلاته فهو يستخدمها بتوقيت خاطئ بعد فوات الأوان، ولم يتعلم حتى الآن أن التبديلات تقوم على أسس معينة هي: قراءة تكتيكية لخطة وتحركات الخصم والردّ عليه، إصابة ألحقت بأحد اللاعبين أو إرهاق شديد يجعله غير قادر على العطاء، أو لاعب غير موفق ليس في يومه، أو زيادة عددية هجومية لتصحيح مسار نتيجة اللقاء، أو ارتداد دفاعي للحفاظ على تقدم النتيجة، أو إضاعة الوقت والأخيرة لا أحبذها شخصياً ولا أراها "صَنْعة" تدريبية.
(5) شخصياً أعتبر أي فريق -أي فريق مهما كان وكنتُ أحبه- يتلقى أهدافاً بآخر لحظاته ليخسر نقاط المباراة بأنه فريق "مُهلهَل" كأقل تقدير أصفه كي لا أنكر جهود البعض منهم، خاصة إن تحدثنا عن فِرق النخبة والصفوة في أوروبا، كما حصل مع ليفربول من مانشستر يونايتد، ومع برشلونة من الريال، وتشيلسي من البرشا وغيرهم، فمن لا يجيد الذّوْدَ عن مرماه وهو متقدّم بالنتيجة لغاية الوقت البديل لا يستحق تلك النتيجة أبداً!!
محصلة الأمور أنّ الخسارة ضارة دوماً، فلستُ أؤمن بخسارة نافعة، ولكن يمكن بسببها الاستفادة من نقاط الضعف وتعديلها، والأهم في حالة الميرينغي أنها أطاحت بثقل الجبال عن كاهل اللاعبين والرقم القياسي الذي الْتَهَمَ عقولهم، وأول أسباب الفوز اللياقة الذهنية التي لا تقلّ عن البدنية أبداً، فتحرّرَ اللاعبون من قصة الرقم الأسطوري وعليهم التركيز في قادم المواعيد، لأنّ الأرقام لا فائدة منها إن لم تُدَعَّم بالألقاب، وفي "كريستيانو" خير مثال، أرقامه كانت لا شيءَ حتى نال البطولات المتتالية فتوّجوه رغم الجميع بالكرة الذهبية، حتى لو لم يكن أفضل لاعبٍ بالعالم أداءً فإن نتيجته هي الفيْصل، والريال مطالب بالنتيجة قبل الأداء إن أراد الاستمرار في نقش تاريخه الذهبي!!