لا تتوفر نتائج هذه اللحظة

ميسي ضحية أم جلاد !!

سمير كنعان

(صحفي رياضي فلسطيني)

  • 1 مقال

كتب- سمير كنعان 

تنافست الأقلام في وصف قنبلة رحيل البرغوث الأرجنتيني "ليونيل ميسي" عن نادي "برشلونة" الأسباني، منذ السقوط المهين بثمانية أهداف أمام بايرن ميونخ في دوري أبطال أوروبا ٢٠٢٠. ووسط كل الخلافات والأسباب والاتهامات والانتقادات، كنتُ واثقا بالمطلق أنه باقٍ، وأنها مجرد زوبعة فنجان، فقاعة إعلامية فجرها في وجوه الجميع، تعبيرا منه عن سخطه من الإدارة والنتيجة والهجوم الإعلامي ضده بعد كل سقوط!.

ليست أول سابقة لميسي، فقد اعتاد العالم سماع أخبار رحيله أو اعتزاله بعد رؤيته مهزوما في كل مرة، ولكن.. هل يحق للاعب التخلي عن وطنه ومنتخبه لمجرد أنه خسر نهائي القارة والمونديال؟ قد نعذر اللاعب إن اعتزل من ناديه أو خرج بصفقة حتى لو مجانية، فما هو إلا محترف يؤدي واجبه لقاء راتب يستحقه، ولكنّ التخلي والاعتزال من المنتخب في أوج عطاء اللاعب يعتبر خيانة، وميسي ليس كذلك، بل هو عبقري ألقى بفقاعة إعلامية ليشغل الناس بها. 

وبالعودة لأعوام قليلة مضت، نجد أن ميسي أصبح تاريخا لا يُمس في برشلونة، ويتدخل في كل ما يريد، وهذا ليس جديدا في عالم كرة القدم فهناك غيره فعلوها، وما زالوا. 

لكن بقدوم المدرب كومان المعروف بصلابته لاعبا ومدربا، أخبره أن امتيازاته سيتم تحجيمها، وأن الكثيرين سيرحلون كما رحل قبلهم من أصدقاء مثل آلفيش وتشافي وإنيستا وماسكيرانو وفابريغاس والكانتارا ، ما لم يعجب البرغوث طبعا.

مشكلة ميسي: 

من سلبياته أنه لا يواجه المشاكل ولا التحديات الشخصية، هو يلعب ويستمتع ويمتع ويفوز، وإذا سقط لا يُرحم! كيف لا وهو المطالَب في كل موسم ببطولة على الأقل مع ناديه، وفي كل محفل دولي ببطولة مع منتخبه! والحق يقال أن الحظ عانده دوليا، وهو قرر الاعتزال ليسكت الجميع، وينسيهم الفشل الذريع، فيحدث النسيان السريع، للخسارة ويعود له التشجيع!. 

أبرز مشاكل ميسي أنه لا يملك شخصية القائد، وظلموه بها منذ عهد مارادونا مدربا للتانغو، فنجده إذا سقط يسقط الفريق، ولا نراه يقاتل ويدافع باستماتة، بل يستسلم لأنياب الخصوم تنهش من أسطورته وتاريخه، بينما رفاقه حائرون مُكبّلون، وميسي لا يتحمل الضغط والهجوم الإعلامي. 

عكس غريمه الأزلي كريستيانو (رغم الأفضلية الفنية للأرجنتيني)، فالدون البرتغالي يملك الكاريزما والتأثير والتحفيز والقتالية، والجرأة لمواجهة الهزيمة (كما حصل يوم سقوط اليوفي ٢/٠ من أتليتيكو) وتحويلها إلى انتصار حتى لو بصعيدٍ شخصيّ غير جماعي! (حتى خروجه من ليون سجل هدفين وكان الوحيد الذي يقاتل). 

ميسي أراد الخروج؟ 

 ربما، وهو معذور إنْ فعل، هربًا من تشويه التاريخ -الذي قدم فيه كل شيء للنادي-، حيث أنه اكتشف ما اكتشفه جوارديولا الذكي، حين عرف الفيلسوف الأسباني أن أسلوبه بات مكشوفا للخصوم، واحترقت ورقة التيكيتاكا أمام الكاتيناتشو المطورة، وباتت رغبة الفوز أقل مع التشبّع بالألقاب والأهداف، وظهرت شيخوخة إنيستا بعد انتهاء تشافي وبويول وهنري وديفيد فيا، ومع تهالك بوسكيتس وبيكيه وآلبا، وتخبّط الإدارة بصفقات غير موفقة من اللاعبين والمدربين على حد سواء، لا تعني أن اللاعبين غير جيدين، بل هم غير مناسبين لطريقة البرشا وأسلوب ميسي، حتى خروج نيمار بتلك الطريقة المهينة، كان ضربة قاصمة لميسي وبرشلونة، وأثرت نفسيا بشكل كبير على الفريق، ما جعل ميسي يطالب بصفقات نوعية تعيد الموازين، لكن بلا جدوى!.  

كل هذا يشير لأن الفريق بات يتحطم تدريجيًّا، ولم يتحرك أحد، فقد كان فوز الليغا بمثابة "تصبيرة" لكنّها لا تُسمن الجوع، حتى جاء الانهيار الكبير بثمانية الألمان، علمًا أنّ رباعية الليفر -في رأيي- وثلاثية روما الضعيف أكثر قسوة وخطورة، لأنها كانت من مباراتين مع الفوز ذهابا في كل مرة بنتيجة كبيرة  شبه حاسمة! 

من انتصر: ميسي أم النادي؟ 

 ميسي خسر مستقبلا يكاد ينفد، وكسب قلوب عشاقه، فكيف لمن ضحى بعمره من أجل شعار الفريق أن يخسر حتى برشلونة وإدارته السيئة انتصرت ببقاء ميسي، ولن يسجل التاريخ أنهم الذين باعوا تاريخهم! مشكلة برشلونة مستمرة، بتفكيرهم بمن يساند ميسي في الهجوم، وتجاهلهم لمن يرحم شتيغن في الدفاع. 

كارثة برشلونة أنه لم يجهز ملف مرحلة (ما بعد تشافي وإنيستا) وانهار الفريق، وهو الآن لم يحضر نفسه لمرحلة (ما بعد ميسي)، وربما كان الأفضل للجميع أن يخرج ميسي، نفس كارثة مدريد حين أنساهم الفرح وثلاثية الأبطال مرحلة (ما بعد كريستيانو)، التي شهدت سقوطهم الأوروبي، وإن اعتبر البعض لقب الليغا إنجازا ملكيا، إلا أن تجربة البرشا بذلك يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، فتكرار السقوط الأوروبي المهين مشكلة كبرى لا تمحيها بطولة محلية خاصة مع انكسار المنافسين الأسبان، والواضح أنّ هيبة القطبيْن الغريميْن كُسرت، وترميمها يحتاج الكثير من الصبر والتخطيط والقرارات السليمة بالصفقات المقننة والمناسبة، وقد يؤدي ذلك لمزيد من الهزائم والهفوات، لأن مرحلة البناء والانتقال لا يُنتظر فيها تحقيق نتائج آنية، وإنما مستقبلية. 

ويجب على جمهور البرشا أن يستوعب انتهاء حقبته الأسطورية، وأن فريقهم عاد لمكانته الطبيعية بين كبار أوروبا يفوز ويخسر ويتعادل، بعدما كان لا يعرف إلا لغة الفوز بالألقاب والأرقام القياسية، وأن زمن العربدة الكتالونية المُطلقة قد انتهى، وللأبد!.