أنقذته كرة القدم من الموت.. قصة لاعب محترف في "سجن غزة"

الرياضية أون لاين : غزة : وكالات

غلبه الحماس وتناسى القصف والموت قليلًا وقرر أن يخطف ساعة أو اثنتين لمتابعة الشيء الوحيد الذي ينسيه همه وهي كرة القدم.. نزل بهدوء من المنزل في ساعة متأخرة حتى وصل إلى بيت جيرانهم، ولم ينهِ شغف المتابعة والمتعة إلّا ذاك الانفجار الذي نزع القلوب من شدته، وهزَّ أركان المنطقة في ساعات الفجر الأولى.

إنه الثاني من آب/أغسطس لعام 2014، الدموع تسبق خطوات اللاعب محمود النيرب الذي يركض باتجاه منزلهم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وعلامات الاستفهام والخوف والتيه تأكل وجهه الذي غرق في الدخان ما أن وصل، قبل أن يكتشف أن الصاروخ أحال منزلهم إلى ركام.

سرق الموت أمه وأخواته الثلاثة في واحد من أسوأ أيام الحرب على قطاع غزة عام 2014 بالنسبة لمحمود، مما جعل تلك المباراة خالدة في ذاكرته، فلربما كانت سببًا لنجاته، لكنها كذلك دومًا ما تذكره بحسرته وفقده، وبعد 5 سنوات أصبح ارتباط محمود بكرة القدم عاطفيًا أكثر.

طفل موهوب

منذ أن بدأت عيناه تتفتح على الحياة والشوارع، أصيب محمود النيرب بحب كرة القدم وسحرها، فطاردها في شوارع الحارات، وشكل فرقًا ودخل بطولات محلية، حتى في المدرسة كان مركزًا على أن يقتنص بطولة الدوري كل عام.

وفي الصف السادس الابتدائي لفت محمود نظر أحد المدرسين خلال لعبه مباراة في المدرسة، فقام بترشيحه لنادي خدمات رفح للقيام بالاختبارات واللعب مع فريق الناشئين، وهذا ما كان حقًا.

وعن النادي يقول النيرب (30 عامًا) لمراسل "فلسطين اليوم الإخبارية"، "بدايتي الحقيقية في كرة القدم كانت مع نادي خدمات رفح حيث لعبت في فريق الناشئين، وتدرجت معه شيئًا فشيئًا حتى لعبت مع الفريق الأول، وكانت تجربة جميلة فيها من الحزن والفرح الكثير".

عروض ولكن..

احترف النيرب لعب كرة القدم في مركز صانع الألعاب الهجومي في صفوف نادي خدمات رفح منذ عام 2007، خاصة في بطولة الدوري التصنيفي، مما فتح أعين النوادي الفلسطينية والعربية على موهبته وقدراته في اللعب.

في عام 2009 وبعدما تقدم نادي المصري في جمهورية مصر العربية بعرض لضم النيرب، انتهت الفرصة في الاحتراف بسبب معبر رفح البري وعدم القدرة على السفر، إضافة للأوضاع غير المستقرة في قطاع غزة، لكن هذه ليست الفرصة الوحيدة التي حكمت غزة على محمود بضياعها.

وأفسد الاحتلال الإسرائيلي حلم محمود بتمثيل المنتخب الفلسطيني لكرة القدم، بعدما رفض منحه تصريح للعبور إلى الضفة الغربية من قطاع غزة تحت "حجج واهية"، لكن حلم التمثيل الدولي ظلَّ يطارد محمود الذي لعب مع المنتخب الأولمبي  ومثله في ليبيا وإيران وكوريا وتايلند.

ويكمل محمود: "مثلت فلسطين في الكرة الخماسية كذلك، ولعبت في أيضًا مع المنتخب للكرة الشاطئية، أما اللعب مع المنتخب الفلسطيني الأول فله اعتبارات كثيرة وصعبة، وهناك الكثير من المشاكل الخاصة بلاعبي قطاع غزة، أولها منع الاحتلال للاعبين، وغيرها من طرق الاختيار".

إنجازات

واستطاع محمود أن يحقق عددًا من الإنجازات الشخصية وللنادي كذلك ومنها 3 ألقاب دوري، ولقبي كأس فلسطين، ولقب السوبر، كما حقق لقب أفضل لاعب في دوري قطاع غزة في الدرجة الممتازة خلال موسم 2018 – 2019.

وعن أحلامه يروي النيرب: "كل لاعب كرة قدم يحلم بالنجومية، ولا يتوقف عن الحلم بالتطور والانتشار أكثر، لذلك لدي طموح دائمًا بالتطور وتمثيل بلدي في المحافل الدولية، وحتى على المستوى المحلي أطمح أن أبقى مميزًا في دوري قطاع غزة، وأن يحقق نادي خدمات رفح مزيدًا من التقدم والنجاحات".

محمود يعد نموذجًا لمجموعة كبيرة من اللاعبين الذين قتل الاحتلال الإسرائيلي أحلامهم بعدما رفض منحهم تصاريح لمغادرة قطاع غزة واللعب في دوري الضفة الغربية، أو حتى تمثيل منتخب فلسطين.

وكانت آخر حادثة عندما منعت سلطات الاحتلال لاعبو فريق خدمات رفح الذي يلعب محمود في صفوفه الذهاب للضفة الغربية للعب إياب كأس فلسطين لهذا العام ضد مركز بلاطة من مدينة نابلس.

ليس ذلك فحسب بل يعاني لاعبو قطاع غزة ممن نجحوا في الوصول إلى الضفة الغربية من ملاحقة الاحتلال والاحتجاز في بعض الأحيان من قبل جنود الاحتلال، دون سبب واضح سوى أنهم من قطاع غزة، إضافة لعدم قدرتهم على اصطحاب عائلاتهم معهم.

ويضطر لاعبو قطاع غزة إلى الصبر على الحرمان من الأهل أو الملاحقة في أوقات كثيرة بسبب العائد المادي الجيد للاعبين في الضفة الغربية مقارنة بقطاع غزة، الذي يبلغ بحسب المختصين 10 أضعاف لاعبي قطاع غزة في بعض الأحيان.



محمود النيرب

محمود النيرب