لماذا قسَوْنا على زيدان !!

سمير كنعان

(صحفي رياضي فلسطيني)

  • 1 مقال

كتب- سمير كنعان

من الطبيعي أن يقسوَ المشجعون على ناديهم بإدارته ومدربيه ولاعبيه في حال الفشل، فالمشجع لا يرى إلا بقلبه العاشق المتعلّق بشغف الكرة الجميلة والانتصارات لفريقه!

ولكن على النقاد والمحلّلين أن يُحيِّدوا وجهة نظرهم عن التشجيع والعشق المجنون، وأن يفنِّدوا الأسباب والعوامل المؤدية لهذا الفشل كما في حالة الفوز تماماً!

بيْد أنَّ حالة زيزو مختلفة نوعاً ما عن بقية المدربين لأنه وببساطة يدرب أفضل وأكبر وسيّد أندية العالم، النادي الملكي ريال مدريد والذي لا يقبل التعادل فما بالكم بالخسارة!

والحكمة تقول: الوصول إلى القمة صعب جداً بينما الحفاظ عليها هو أصعب ما في الوجود، فالأسطورة الفرنسية استلم البيت الملكيّ مهلهلاً من بقايا بينيتيز الذي تفلسف فأفسد ما بناه مورينيو وشيّده آنشيلوتي، وكانت مهمة زيزو في منتصف الموسم تقريباً حين استلم زمام الأمور أن يعيد ترتيب قصر الملوك ويعيد الهيبة لفريقٍ تجاوز كل الأرقام والإحصائيات، وبدأ زيزو بفلسفته المعتمدة على الوجوه الشابة واللامعة التي طالما قدّمها بعينه الثاقبة، فلا ننسى أنه أول من طالب باللاعب المميز هازارد صغيراً من نادي ليل، كما طلب فاران منذ زمن، ونصح بالتعاقد مع سواريز أيام آياكس قبل أن يخطفه ليفربول، وكان له كلمة في صفقة الصخرة بيبي والهولندي هونتلار وغيرهم الكثير، من قبل حتى أن يكون إدارياً في النادي، كما اعتمد زيزو كمدرّب على مبدأ المداورة بين اللاعبين للحفاظ أكثر ما يمكن على لياقتهم البدنية التي تؤثر بالتالي على لياقتهم الذهنية والأخيرة تحديداً هي سرّ الخروج من أزمات المباريات الصعبة والظروف المعاكسة لتحقيق أفضل النتائج!

مشكلة هذا الرجل أنه نجح بشكلٍ صاعق من البداية، دون أن يطلبَ منه أو يطالبه أحدٌ بأي لقب أو إنجاز، فوصل إلى القمة سريعاً حيث أنهى الموسم الكارثي لبينيتيز بتتويجٍ خرافي بلقب دوري الأبطال الحادي عشر للميرينغي على حساب الأتليتيكو رغم قوْل البعض بأفضلية قطب مدريد الآخر تحت قيادة سيميوني، ثم أتبعه بالمطلب الشعبي لجمهورية مدريد وهو الليغا الغائبة 5مواسم متتالية، وكان تتويج الليغا -كما كرّر هو نفسه بأكثر من مقام- الأغلى على قلبه، وأتبعه باللقب الثاني عشر للأبطال والثاني على التوالي كأول فريق في التاريخ يحافظ على اللقب الأوروبي بشكله الحديث، وقبلهما كان السوبر الأوروبي ومونديال الأندية، ثم السوبر الأوروبي مرةً أخرى والسوبر المحلي، بانتظار لقب مونديال أندية جديد نهاية هذا العام ليجمع حتى اللحظة سبعة ألقاب في سنة ونيِّف محطماً كل أرقام المدربين في العالم القديم والحديث على حد سواء، جعل كل العالم يصوّت له في استفتاء أفضل مدرب الذي نال جائزته مؤخراً، مع تتويج جماعي لنجوم الريال بأفضل لاعب للدون وأفضل مدافع لراموس وأفضل ظهير مارسيلو وأفضل وسط مودريتش!

ومن هنا بات سقف طموح العشاق والمشجعين عالياً بل شاهقاً في السماء، لا يرضى بأقل من المنصة مكاناً للاعبيه، ولا أقل من الدروع لخزينته المدججة والمثخنة بالكؤوس والألقاب، ولكنّ كل هذا لا يشفع عندنا لسقطات زيزو التدريبية التي وقع فيها مراراً وجعل بداية هذا الموسم كارثية عبر تاريخ النادي، فكان نزيف النقاط غريباً مهيناً خاصة على ملعب السنتياغو برنابيو جحيم أوروبا المرعب فيما مضى!

زيزو لم يدخل السوق بشكلٍ لائق خاصة بعد التفريط في نجومه التي كانت له طوق نجاةٍ من الهزيمة أكثر من مرة الموسم الماضي، واستغنى عنهم دون التوقيع مع بديل، ولم نشاهده يتحرك على دكة البدلاء كمدير فني يجيد التعامل مع المباريات فوجدناه سارحاً في اللاعبين سواء من فريقه أو من الخصوم، لا يتحرك لسدّ ثغرة رآها العالم كله في الجبهتيْن اليمنى واليسرى، ولا لفتح ثغرة في منافسيه يراها أي عاقلٍ لكرة القدم، ولا يقدّم الحلول اللازمة بالتشكيل المناسب، ولا بالتبديلات أثناء المباراة، ما جعل الفريق متخبطاً تائهاً يحاول بيأس دون تخطيط مدروس وفكرٍ منظّم، يحمل عاتقه قائد الفريق الميداني راموس والقائد الفني مودريتش والقائد الملهم كريستيانو والقائد المبتكر مارسيلو!

ورغم قساوة الظروف عليه بلعنة الإصابة التي طارت لاعبيه، كلما شفيَ واحدٌ سقطَ آخر، إلا أن زيزو تعرض لانتقادات كثيرة خاصة أنه لم يتحرك في السوق بشكلٍ جيد وفرّط بأبرز حلوله الهجومية موراتا ودياز ورودريغيز والدفاعية بيبي ودانييلو، دون أن يأتي ببديل سوى بعض الشباب الصغار مثل فاييخو وثيو وحكيمي ومايورال، وتعاقد مع موهبة المستقبل سيبايوس.

هنا يكون زيزو قام يعملٍ يُشكر ويُلام عليه في آنٍ واحد، ولمن تساءل كيف يكون هذا الشكر واللوم، أجيبُ ببساطة أنّ شُكره بسبب استقطاب مواهب مميزة للفريق تمثل المستقبل كما لو كنت تبني صرحاً شامخاً لسنوات، واللوم لأنه يدرب فريقاً مبنياً من الأصل بأيدي خبيرة مثل مورينيو وآنشيلوتي وهو بحاجة للإشباع بألقابٍ غابت لسنوات، وليس بحاجة للبناء، وحتى في البناء فأنت تتعامل مع فريقٍ لا يمكن أن يخسر ويتعادل ويمرّ ذلك مرور الكرام أمام الصحافة والمشجعين!

ومجاملة زيزو لمواطنيه فاران وبنزيما رغم سوء الأداء أو سوء الحظ، فلا ينكر أحدٌ قيمة أحدهما لكنّ أي لاعب ينخفض مستواه أو يعانده حظ يجب أن يُستبدل في مباراة مصيرية فيها خوفٌ على النتيجة، فربما يأتي البديل الأقل في المستوى الفني بالحل لأنه محظوظ أو مثابر!

كما لم يستطع كسر مصطلح "نجم الفريق الأوحد" وإن كان يحاول أكثر من مرة مع رونالدو، ونجح في حالاتٍ كثيرة، غير أنه -ولا يُلام في ذلك- لم ينجح تماماً في كسر سطوة الدون على زملائه، وتحريرهم من عبء اللعب نحوه كل الكرات والهجمات.

هذه الأسباب كلها جعلتنا نقسو على زيزو، فأرقامه جعلت المطلوب منه أكثر من أي مدرب آخر في العالم، رغم أننا في قرارة أنفسنا نؤمن أن الحظ جزءٌ من كرة القدم، بل هو أساسٌ فيها بلا شك، فإن عاندك الحظ لن تفوز بشيءٍ، وحين يضحك لك تفتح الدنيا عليك كنوزها وسعادتها، ومن أكثر من زيزو رسماً للسعادة على وجوه المدريديستا في كل العالم؟
فكان لزاماً أن يجد الفرنسي جيشاً من المدافعين عنه بعبارة: فداك هذا الموسم يا ملك!
بل إنّ أحد أبرز الإعلاميين الرياضيين في العالم العربي الزميل "حسين ياسين" يكتب في تغريدة له: (إذا حقق فريقي ومدربي دوري أبطال أوروبا مرتيْن على التوالي، فليخرج من دور المجموعات في الموسم الذي بعدهما وليس فقط يخسر مرتيْن أو ثلاث مباريات).

وبين جيش المهاجمين الناقدين، وجيش المدافعين المضحّين، سيبقى اسم زيدان في تاريخ الكرة محفوراً بما أنجزه لاعباً ومدرباً، شئنا أم أبيْنا!!