الفيفا توجه بطاقة صفراء لإسرائيل: كيف كان أداء فلسطين في كونجرس "الفيفا" انتصاراً قانونياً..

بقلم: جونزالو بوي

لقد شهدت الفيفا، وتحديداً الكونجرس الـ 65 الذي انعقد في مدينة زيورخ السويسرية في 28-29 أيار/مايو، كلّ التعقيدات التي يمكن أن ترتبط بإحراز أي تقدم في حلّ مشكلة الإحتلال والتمييز والإضطهاد الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، كان الإنطباع العام الذي اعترى الكثيرين أن الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم قد سحب مشروع قراره الهادف إلى تعليق عضوية الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم في الفيفا؛ لكن هذا الإنطباع في الواقع جانَبَ الحقيقة إلى حدٍ بعيد.

خلال الأيام الثلاثة التي قضيناها في مدينة زيورخ، أدرك وفدنا أن هناك معارضة شديدة ضمن دوائر الفيفا، ليس على مطلبنا، بل على استخدام مصطلح "تعليق العضوية" في جلسة الكونجرس، وليس هذا فحسب، بل قيل لنا أيضاً أن الفيفا ستعمل في المستقبل على تغيير لوائحها للحيلولة دون قيام أي اتحاد عضو برفع طلب من هذا القبيل.

باختصار، الجميع، بما فيهم ممثلي الدول العربية، طلبوا منّا التوصل إلى تصور قادر على تلبية أغلب مطالبنا دون طلب التعليق الفوري لعضوية الإتحاد الإسرائيلي أو طرده.

وفي مثل هذه الحالات، وكما هو الحال دائماً بما يتفق مع القواعد الحاكمة في الفيفا والكونجرس، تابعنا تحركنا بموجب المادة 72 من "الأوامر الدائمة" للكونجرس، وأدخلنا تعديلاً على مقترح مشروعنا الخاص بتعليق عضوية الإتحاد الإسرائيلي، وهو التعديل الذي قدمناه في اللحظة الأخيرة.  

يوم الجمعة وتحديداً عند الساعة الثالثة مساءً، طُلب منا حضور اجتماع أخير بحضور كل من رئيس الفيفا سيب بلاتر، وأمينها العام، وثلاثة أعضاء من كل وفد من الوفدين الحاضرين، وكان واضحاً للجميع أنه لم يكن في الأفق أية بوادر للحلّ أو الإتفاق حيث لم يكن لدى الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم الصلاحية أو النيّة في الدخول في إتفاقية ملزمة بما يتعلق بالأندية الخمسة القائمة على مستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تلعب في الدوري الإسرائيلي.

لقد قالوا لنا ذلك بوضح تام، ونحن بدورنا اتخذنا موقفاً واضحاً، وكانت هذه المسألة تنطوي على تحدٍ كبير بالنسبة للوفدين، وقد عبرنا لبلاتر وأمينه العام عن موقفنا بوضوح بأن الإتحاد الإسرائيلي لا يستطيع التعاطي مع هذه المسألة لأنها مسألة سياسية بالنسبة لهم، بينما هي مسألة رياضية بحتة بالنسبة لنا ونحن نطرحها دفاعاً عن لوائح وقوانين الفيفا.

بعد الإجتماع، وعند استئناف جلسة الكونجرس، قدمنا مشروع قرارنا المُعدّل الذي تم مناقشته والتصويت عليه بموجب المادة 9.6 و المادة 7 من الأوامر الدائمة للكونجرس، كان هذا عبارة عن مناورة قانونية ولم تعني على الإطلاق أنها تنازل عن مشروع قرارنا، بل هي ببساطة إدخال بعض التعديلات على بعض بنود القرار ليحظى بالمصادقة.

وحسب الأوامر الدائمة للكونجرس، كان يجب مناقشة مشروع القرار ومن ثم التصويت عليه، وهكذا، أعطيت الكلمة للواء جبريل الرجوب، رئيس الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الذي شرح للكونجرس جوهر تعديلنا ومطالبنا في التوصل إلى حلٍ داخل الفيفا للوضع الشاذ الذي تعاني منه كرة القدم الفلسطينية، وقد أثنت غالبية الوفود على هذا التوجه وأدركت، بغض النظر عن كل ما قيل عنه، أنه كان يعني المطالبة بالتطبيق الصارم للوائح وقوانين الفيفا فيما يتعلق بالعنصرية وتبعية اختصاص الأراضي، وبعد كلمة اللواء الرجوب، ألقى رئيس الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم كلمته هو الآخر.

بعد ذلك، حاول بلاتر تشتيت انتباه الجميع في مسعىً منه لتجاهل تعديلنا، وعندها شرحنا له وللكونجرس بوضوح تام أنه، بموجب القواعد الإلزامية، يجب التصويت على القرار المعدّل ككل وكوثيقة واحدة، وبتردد واضح، لم يكن أمامه أي خيار سوى متابعة إجراءات التصويت على تعديلنا، وهي الوثيقة الوحيدة التي قُدّمت وصُوّت عليها.

كانت نتيجة التصويت على القرار المُعدّل 165 صوتاً لصالح القرار، 18 صوت ضدّه، و 26 امتناع عن التصويت؛ أي 90% من الأصوات جاءت لصالح المصادقة على التعديل الذي أدخله الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم على مشروع قراره، ولم يسبق أبداً أن حظي أي مشروع قرار قدمته فلسطين بمثل هذا الإجماع الذي حصل عليه مشروع قرار الإتحاد الفلسطيني في كونجرس الفيفا، لكن لعل هذا النجاح الذي أنجزه الإتحاد الفلسطيني لم يُفهم كما يجب، وهو ما يُعزى إلى حالة الخلط والتشويش التي سادت بين الكلمات المستخدمة وبين الحقائق، بين البيانات التي أصدرت وبين الوثائق التي تم المصادقة عليها فعلياً.

ما تحقق، باختصار، هو أن كونجرس الفيفا صادق بالأغلبية المطلقة على تشكيل لجنة ستعمل على مراقبة أية حالات لإنتهاك حقوق الإنسان ترتكبها إسرائيل تحت غطاء الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم والتحقيق فيها في موقعها، وسوف تقوم هذه اللجنة، التي تتشكل من الفيفا والإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم والإتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بمراقبة مدى تقيد وامتثال إسرائيل لقواعد الفيفا فيما يتعلق بحرية حركة أدوات ومعدات كرة القدم وحرية حركة الأشخاص، ومدى تصدي إسرائيل بشكل فاعل وحازم لأية سلوكيات تمييزية أو عنصرية، والأهم من ذلك، ستتطلب هذه اللجنة من الأمم المتحدة بإبلاغها بقرار الجمعية العمومية رقم 67-19، واستناداً إلى ذلك، سيتم الإتفاق على أي إجراء عملي حسب لوائح وقوانين الفيفا.

ماهية قرار الأمم المتحدة رقم 67-19:

يحدد القرار بشكل أساسي الأجزاء التي تدخل أو التي لا تدخل ضمن أراضي دولة فلسطين؛ ولهذا القرار عدة جوانب ترتبط بمعاقبة إسرائيل في الفيفا وذلك لأن، كما نقول، هناك خمسة أندية على الأقل تلعب في الدوري الإسرائيلي وهي أندية قائمة في مستوطنات مقامة على أراض فلسطينية، وبالتالي تنطبق المادة رقم 83.2 من لوائح الفيفا التي تحدد تداعيات المواد 13.2 و 14.2 وبالتالي: تعليق عضوية الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم أو طرده.

غالبية الوفود المشاركة في كونجرس الفيفا أدركت جيداً أنه، إذا ما صحّ ما نقوله، يحق للفيفا تعليق عضوية إسرائيل أو طردها، وبلاتر أدرك تماماً مغزى القرار حين قال أنه ليس بوسع الفيفا تحديد لمن تعود ملكية الأراضي، لكن اللجنة التي سيتم تشكيلها ستكون قادرة على حسم هذا الأمر لأنها مخولة للقيام بذلك من الكونجرس.

لقد قمنا بتغيير بعض البنود في مشروع قرارنا بما يتوافق مع لوائح الفيفا، لكننا لم نتنازل عن أي شيء على الإطلاق؛ وكان من الخطأ اعتقاد أن هذا ما حصل، وإن كان ذلك مبرراً نوعاً ما في النقاشات التي طُرحت في المواقع العامة حول تعديلنا، ومن الأهمية بمكان تذكر أن ما تم التصويت عليه ومصادقته هو القرار المُعدّل الذي قدمناه، وليس أي شيء آخر كما قيل عنه، وكان يمكن أن تختلف الأمور كثيراً فيما لو قامت إسرائيل، ممارسة بذلك حقها بالقيام بذلك، بتقديم طلب تطالب فيه بتعديل طلبنا، لكنها لم تقم بذلك لأنه كان يجب أن يُقدّم ذلك الطلب خطيّاً (حسب المادة 7.2 من الأوامر الدائمة) ولو فعلت ذلك – وهو ما لم تفعله - لكان يجب التصويت على طلبها أولاً ومن ثم التصويت على طلبنا (المادة 9.7 من الأوامر الدائمة)، كان هناك تعديلٌ واحدٌ فقط وتصويتٌ واحدٌ فقط، وهو الطلب الذي حظي بأغلبية ساحقة بنسبة 90%.

قدّمت لنا معظم الوفود تهانيها لنا لأنها أدركت ما تم إنجازه واعتبرته نجاحاً غير مسبوقاً وأنها البداية التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تعليق عضوية الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم إذا لم تتقيد بلوائح الفيفا، وقد حان الأوان لإسرائيل أن تختار بين الإبقاء على أندية موجودة في مستوطنات مقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة وبين أن تبقى عضواً في الفيفا، وهذان أمران متناقضان وقد أثبتنا ذلك للجميع.

أدرك تماماً حالة الإحباط والإرباك السائدة، لكن ليس هناك حلول سحرية لإنهاء هذا الصراع، ما تم طرحه وتعديله وتحقيقه في زيورخ يحمل بين ثناياه من القوة ما سيجعل الجميع يدركون ويدعمون يوماً ما بلا شك القرار الذي حصل على 165 صوتاً من أصل 209 وهو ما يُعتبر بطاقة صفراء في وجه إسرائيل سرعان ما تتحول إلى حمراء في وجه كل من يعتقد أنه يمكن للتمييز والإضطهاد والإحتلال أن يستمر دون محاسبة أو عقاب.